التأريخ والسلطان السياسي
نموذج المصادر المؤرخة للأدارسة ومدينة فاس
أكنينح العربي
لا نتوفر عن تاريخ مدينة فاس قبل العصر المريني، سوى على إشارات قليلة
ومتضاربة وردت في مصادر جغرافية متأخرة. فقد تم تأسيس فاس على يد إدريس الأول وليس
إدريس الثاني كما هو شائع، في نهاية القرن الثاني للهجرة/8م. إلا أن الإشارات التي
وصلتنا عن هذا الحدث قد تم تدوينها، على مراحل، في عصور لاحقة. فقد ورد الحديث عن
فاس، لأول مرة في التاريخ، حسب ما نعلم، في القرن الثالث الهجري/9م. على لسان بعض
الجغرافيين المشارقة الذين اكتفوا بالتنصيص على كون فاس في ذلك الوقت، كانت عاصمة
للأدارسة وتنقسم إلى عدوتين متناحرتين: عدوة الأندلس وعدوة القرويين(1).
وفي القرن الرابع الهجري/10م، ورد كلام آخر عن مدينة فاس بقلم أبي بكر أحمد بن
محمد الرازي المتوفى سنة 344هـ/955م، في كتابه وصف الأندلس(2)، وهو حديث مقتضب جدا لا
يتعدى بضعة أسطر، تشير إلى تاريخ وصول إدريس الأول إلى وليلي وبنائه لمدينة فاس(3).
وفي نفس القرن (4هـ/10م)، وصلتنا عن فاس أيضا، إشارات أخرى على لسان الجغرافي
المشرقي ابن حوقل، في سياق وصفه لإفريقيا الشمالية، من كتابه المسالك والممالك(4).
وفي القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، زودنا أبو عبيد البكري، في هذه
المرة، بمعلومات مفصلة شيئا ما، عن مدينة فاس وأورد أخبارا مفيدة عن تاريخ
الأدارسة بصفة عامة، استقاها من عدد من المصادر الأموية المفقودة، ومن عدد من
الرواة السابقين لعصره(5). وفي عهد الموحدين (القرن
6هـ/12م)، أورد الشريف الإدريسي المتوفى سنة 560هـ، وصفا آخر لفاس، في كتابه نزهة
المشتاق، غير أنه مفرط في القصر، ولا يفيد كثيرا في التعرف على ملامح هذه
المدينة من الناحية العمرانية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية(6).
وباستثناء هذه الأوصاف الجغرافية القليلة والهزيلة، والقطع النقدية التي استغلها
لفي بروفنصال عند تنقيبه عن تاريخ تأسيس مدينة فاس(7)، لم تتحدث المصادر
التاريخية، عن الأدارسة وعاصمتهم فاس، بصورة مفصلة، إلا ابتداء من أواسط عهد بني
مرين، أي بعد مرور أكثر من خمسة قرون على تاريخ وصول إدريس الأول إلى المغرب سنة
170هـ/786م، وهذا كاف لإضفاء ظلال قاتمة من الغموض والشكوك حول تاريخ مدينة فاس
والأدارسة بصفة عامة، في القرون السابقة للمرينيين. فصاحب الأنيس المطرب
الذي أرخ لأول مرة بتفصيل لمدينة فاس، نقل معلوماته عنها عن مجموعة من الرواة
والمؤلفين لم يذكر أسماءهم ولم ينسب إليهم كلامهم في كثير من الأحيان. وقد برر ذلك
في مقدمة كتابه بقوله: "فألفت هذا المجموع المقتضب، انتقيت جواهره من كتب
التاريخ المعتمد على صحتها، والمرجوع إليها، سوى ما رويته عن أشياخ التاريخ،
والحفاظ، والكتاب، وقيدته عن الرواة الثقات الأنجاب، وحذفت فيه الإسناد، خيفة
الإكثار والامتداد…"(8). ويتجلى من هذا الكلام
أيضا، أن علي ابن أبي زرع الفاسي، قد استقصى جملة أخباره عن فاس والأدارسة،
بالإضافة إلى كتب التاريخ التي زعم أنه رجع إليها، من سلسلة من الحفاظ والرواة.
وعن هؤلاء نقل على ما يبدو، الكثير من الأساطير والخرافات التي لا تصمد أمام
المنطق والنقد الحديث، فوصلنا مؤلفه مليئا بالأخطاء التاريخية والجغرافية
والروايات الكاذبة والمختلقة(9). وبعد مؤلف ابن أبي زرع،
ظهر كتاب جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس لأبي الحسن علي الجزنائي(10)
خصص الباب الأول منه لذكر من أسس هذه المدينة من الأدارسة الحسنيين وما جاء من
الثناء عليها وعلى سكانها وعلمائها. وأفرد الباب الثاني لذكر من أدارها بالأسوار،
وزاد فيها الزيادات، وذكر جامعيها العتيقين الأندلس والقرويين. وقد اعتمد في تأليف
كتابه المذكور، على عدد من المؤلفات المؤرخة لفاس، والمغرب، والأندلس، والمترجمة
لرجالاتها. غير أنه عند مقارنة فحوى هذا الكتاب بما جاء في روض القرطاس،
نلاحظ أن أبا الحسن علي الجزنائي قد نقل حرفيا الكثير من الفقرات عن ابن أبي زرع
وغيره من المؤلفين السابقين، أمثال أبي عبيد البكري، وعبد الملك الوراق، وأبي القاسم
بن جنون، وغيرهم، بل أكثر من ذلك، نجد أن إحالات جني زهرة الآس، تكاد
تتطابق حرفيا مع ما ورد في روض القرطاس، مع فرق أساسي يتمثل في كون ابن أبي
زرع لم يذكر المصادر التي نقل عنها إلا ناذرا، بينما حرص أبو الحسن علي الجزنائي،
حسب زعمه، على أن يكون أمينا مع نفسه، ونسب كل ما كتب إلى المؤلفات التي أخذ عنها،
إلا ما رآه رأي العين، مما لا يحتاج فيه إلى أحد. وقد أشار إلى ذلك في نهاية كتابه
قائلا: "وهنا انتهى القول فيما قيدته، واختصرته، والله سبحانه ينفع بما
نويته، وقصدته، مع أني لست من أهل التأليف، ولا من أولي المعرفة بالتصنيف، بمن نقل
ما قاله الناس، فما عليه في نقله من بأس…"(11).
وعن جني زهرة الآس، وروض القرطاس، نهلت معظم الحوليات
التاريخية، وكتب التراجم، والمناقب والأنساب المتأخرة، أخبارها، ومعلوماتها، عن
تاريخ فاس والأدارسة قبل عهد بني مرين. فأحمد بن القاضي صاحب جذوة الاقتباس
(ق ط.1)، على سبيل المثال لا حصر، نقل أغلب فصوله، من جني زهرة الآس دون أن
ينسبها إلى صاحبها الحقيقي، موهما الناس أنها من إنشائه(12).
وعندما ترجم صاحب سلوة الأنفاس لإدريس الأول والثاني، اعتمد على ابن أبي
زرع، ونقل الكثير من الفقرات التي تتحدث عن فضل فاس ومناقب الشرفاء الأدارسة(13).
وفي هذا الصدد، يحق للمرء أن يتساءل هنا، لماذا تأخر الاهتمام بالتأريخ للأدارسة،
وبالتالي لمدينة فاس، إلى عصور متأخرة جدا؟ ولماذا اهتمت الأسطوغرافية المرينية
بصفة خاصة، بالتنقيب على ماضي الدولة الإدريسية وحاضرة فاس، وبالضبط ابتداء من
أواسط القرن الرابع عشر الميلادي الثامن الهجري؟ ولماذا حظي الأدارسة باهتمام كتب
التراجم، والمناقب، والأنساب المتأخرة التي رفعت كلا من إدريس الأول والثاني إلى
مرتبة الأولياء والأقطاب، وأضفت عليهما دلالات خاصة؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تستدعي هنا استحضار جملة من الملابسات السياسية،
والثقافية، والدينية، والمذهبية، التي ميزت تاريخ المغرب وطبعته عبر مختلف العصور
والتي تم في إطارها، جمع أخبار الأدارسة، والتأريخ لمدينة فاس ومؤسساتها الدينية
والثقافية.
من المعلوم أن تدوين التاريخ عند العرب والمسلمين في الشرق الإسلامي، لم يبدأ
إلا مع أواسط القرن الثاني للهجرة، تاريخ وصول إدريس الأول إلى الغرب. وقد انصب
اهتمام المؤرخين الأوائل في البداية، على تدوين تراث النبي في المرحلتين المكية
والمدنية (حروبه، أفعاله، أقواله، الظروف التي قيلت فيها الخ…)، فيما كان يعرف بكتب
المغازي والسير (جمع سيرة). كما اعتنوا بعد ذلك، بالتنقيب عن ماضي القبائل
العربية، وجمع أخبارها، وغزواتها، وملاحمها، وتدوين أشعارها ومناظراتها، فيما كان
يسمى أيضا بالأيام. ولم يشرع في المشرق الإسلامي في التأريخ للأمة الإسلامية،
بصورة شمولية، إلا مع عهد الطبري (225هـ – 307هـ)، في القرنين الثالث والرابع
الهجريين، في كتابه، تاريخ الرسل والملوك(14). وعند تتبع تواريخ
ظهور المؤلفات التاريخية إلى الوجود، نلاحظ أن المصادر الشرقية، وخاصة المصرية
منها، لم تتحدث عن المغرب والأندلس بصفة عامة، إلا في القرن الثالث للهجرة/9م(15).
ولم تبدأ حركة تدوين التاريخ عند العرب في الأندلس، إلا في القرن الرابع الهجري(16).
وقد تأخر اهتمام المغاربة بتدوين البعض من تاريخهم، إلى عهد الموحدين (ق6هـ/12م)،
حيث وردت إشارات في المصادر المرينية، في مرحلة لاحقة، إلى مؤلفات تعرض لتاريخ
المغرب وفاس، والأندلس، عاش أصحابها في القرن السادس الهجري(17).
وإلى جانب هذه الملابسات التاريخية، نلاحظ أيضا أن تدوين تاريخ الأمة
الإسلامية بصفة عامة، في العصور الوسطى وما بعدها، كان يتم عادة تحت رعاية السلطة
السياسية القائمة، إن لم نقل بإيعاز وتشجيع منها. ففي الشرق الإسلامي، كان من
الطبيعي أن تعرف المصادر الأولى، عن التأريخ للأدارسة والإمارات المغربية التي
خرجت منذ انتفاضة البربر في القرن الثاني للهجرة، عن نطاق سلطة بغداد، وتنافسهم
على الخلافة. أما في المغرب، فقد تأخر الاهتمام بالتنقيب عن تاريخ الأدارسة
ومنجزاتهم العمرانية، والدينية، والسياسية إلى أواسط القرن الثامن الهجري، الرابع
عشر الميلادي. فالمرابطون والموحدون لم يكونوا يستطيبون سماع ذكر أخبار بني إدريس،
منذ إجهاز موسى بن أبي العافية (313-341هـ/925-952) على دولتهم في القرن الرابع
للهجرة. إلا أنه مع مجيئ بني مرين، بدأت المصادر التاريخية، وتحت رعاية السلطة
المرينية، وبتشجيع منها وبدون شك، تتحدث لأول مرة، بوقار، وتفصيل، عن الأسرة
الإدريسية وعاصمة ملوكها فاس. فصاحب الأنيس المطرب الذي أرخ للمغرب ولمدينة
فاس بصفة خاصة، من بداية الدولة الإدريسية الحسنية إلى سنة 726هـ، أهدى كتابه إلى
السلطان أبي سعيد عثمان المريني (719هـ –731م)(18) ويتبين من مقدمة هذا
الكتاب، أن ابن أبي زرع قد وضع مؤلفه لتمجيد الدولة المرينية، ولإرضاء السلطان
المذكور ونزولا عند رغبته. وهذا ما يستفاد من سياق نفس المقدمة وبصفة خاصة من
الفقرة التي نص فيها على ذلك صراحة بقوله: "فاستخرت الله تعالى في تأليفه،
واستعنته في تقييده، فسهل الله تعالى ما أردته من ذلك ويسره بفضله وبركات مولانا
أمير المومنين الظاهرة الجاهرة…"(19). وبعد بن أبي زرع، ألف
علي الجزنائي كتابه تحت عنوان: جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، وأهداه
إلى الوزير عمر الياباني المريني. وقد وضع هذا الكتاب بتكليف من هذا الوزير
وبإيعاز منه. وهذا ما يتجلى بوضوح أيضا من مقدمة نفس الكتاب، حيث نص على ذلك صراحة
بقوله: "… وبعد، فإنه لما كان من شيم سيدنا الوزير السعيد… تعريف تواريخ
الدول، وأخبار الجذور الأول، أردت أن أطالع وزارته السنية، وسياسته اليابانية(20)
الحفصية… بكتاب مختصر يشتمل على ذكر من أسس مدينة فاس كلأها الله تعالى من
الأدارسة الحسنيين وبناء جامعي القرويين والأندلسيين، يكون تذكرة لمن تقدم له في
ذلك سلوك وتبصرة لمن أقيم في خدمة الوزراء والملوك…"(21).
وعن ابن أبي زرع، وعلي الجزنائي وغيرهما من "مؤرخي" العهد المريني، نقلت
المصادر المتأخرة التي أرخت فيما بعد لفاس والأدارسة. وبسبب ارتباط التأليف
التاريخي بالسلطان السياسي، كان من الطبيعي أن تخدم المؤلفات الجديدة إيديولوجية
الدولة القائمة وتعبر عن توجهاتها السياسية، والمذهبية، وأن يسخر مؤرخو البلاط
المريني التاريخ للدفاع عن منظومة فكرية وسياسية قائمة. فالمرينيون، كما هو معلوم،
بسبب تبنيهم للمذهب المالكي السني، وإقراره مذهبا رسميا للدولة، وفي إطار تصاعد
تيار المد الصوفي القائم على تقديس آل البيت، وتزايد نفوذ رجاله في هذه الفترة
بالذات، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى البحث عن دعم سياسي، ومذهبي، لتثبيت ركائز نظام
حكمهم الذي لم يقم، كما هو معروف، على أساس دعوة دينية خاصة. فلجأوا إلى تكريم آل
البيت واحتضانهم، وخصوهم بامتيازات هامة. وفي هذا الإطار، حظي الشرفاء الأدارسة
برعاية كبيرة من طرف ملوك بني مرين، وأصبحوا منذ هذا التاريخ، يحتلون مكانة خاصة
وسط المجتمع على الصعيدين الرسمي والشعبي. وفي هذا السياق التاريخي، كان من
الطبيعي أيضا أن يخضع التأليف التاريخي للمنظومة الفكرية السائدة، وأن يصاغ تاريخ
الأدارسة صياغة جديدة موجهة بصورة تخدم الاتجاه الإيديولوجي والسياسي العام الذي
كانت تسير فيه الدولة. فعند تجميع الإشارات التاريخية الواردة في المصادر
المرينية، والمصادر ما قبل المرينية ومقارنتها فيما بينها، نجد تضاربا كبيرا فيما
يتعلق بحقيقة الدعوة الإدريسية، فقد انتقل الأدارسة مثلا من قرامطة متطرفة، كما
يستفاد من كلام المقدسي(22) (القرن الرابع
الهجري/10م)، إلى شيعة زيدية على لسان البكري(23) (القرن الخامس
الهجري/11م)، ومن فاطميين على لسان الإسطغري(24) (فارسي ت 340هـ/951م)،
إلى مالكيين وسنيين وآل البيت في الأسطغرافية المرينية وما بعدها(25).
فعندما تحدث ابن أبي زرع عن تأسيس إدريس ابن إدريس لمدينة فاس، ذكر أن هذا
الأخير، لما شرع في بنائها، رفع يده إلى السماء وقال: "اللهم اجعلها دار علم
وفقه يتلا (كذا) بها كتابك، وتقام بها حدودك، واجعل أهلها متمسكين بالسنة والجماعة
ما أبقيتها…"(26).
ثم أورد بعد ذلك حديثا منسوبا إلى الرسول عليه السلام، لا شك أنه موضوع، يقول:
"ستكون مدينة تسما (كذا) فاس، أهلها أقوم أهل المغرب قبلة، وأكثرهم صلاة،
أهلها على السنة والجماعة، ومناهج الحق، لا
يزالون متمسكين به، لا يضرهم من خالفهم، يدفع الله عنهم ما يكرهون إلى يوم القيامة"(27).
وفي نفس الاتجاه، أظهر علي الجزنائي تشيعا واضحا نحو الشرفاء الأدارسة، ورفع
في هذا الصدد، إدريس الأول والثاني إلى مرتبة الأولياء. وأكد على غرار ابن أبي
زرع، على سنية مذهبهم الديني، كما أكد على قدسيتهم، وفضائلهم على بلاد المغرب،
وإسلام أهلها قاطبة على أيديهم(28). وبالإضافة إلى هذا،
نلاحظ أيضا، عند مقارنة عدد من النصوص التاريخية، أن لهجة المصادر قد تغيرت كثيرا
عبر تعاقب الحقب، عند تأريخها للأدارسة، في الفترة ما قبل المرينية وما بعد
المرينية. فهذا أبو عبيد البكري على سبيل المثال، يكتفي عند حديثه عن إدريس الأول
بذكر اسمه مجردا من أي تقديس أو تفخيم (إدريس بن عبد الله)(29)،
في حين نجد صاحب الأنيس المطرب، يصفه في كل مرة، بالإمام إدريس بن عبد الله(30).
وبعد ابن أبي زرع، ارتفع إلى مرتبة ولي الله وابن رسول الله، على لسان أبي الحسن
علي الجزنائي، صاحب جني زهرة الآس(31). وفي القرن الحادي
عشر الهجري/17م، أضاف الحلبي عبارة أخرى فوصفه بالدر السني تارة، والدر النفيس
تارة أخرى(32).
وفي مرحلة متأخرة جدا، انتقل إدريس الأول إلى درجة "القطب الأشهر، مولانا
إدريس الأكبر الحجازي، المغربي، الزرهوني(33). كما ورد على لسان صاحب سلوة
الأنفاس. فكيف يمكن تفسير هذا التدرج والتضارب في لهجة المصادر؟
لقد احتل الأدارسة والشرفاء بصفة عامة، منذ عهد بني مرين، كما أسلفنا، مكانة
هامة وسط المجتمع المغربي، وأصبحوا منذ ذلك الحين، يشكلون فئة اجتماعية على حدة،
تستمد مشروعيتها الدينية، والسياسية، والاجتماعية، من نسبها الشريف، وأحقيتها في
تولي الإمامة وأخذ نصيبها من بيت مال المسلمين (ذوو القربى)(34).
وقد ازداد نفوذ هذه الفئة مع تصاعد المد الصوفي القائم أساسا على تقديس آل البيت
والتبرك بهم. وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن يحيط كل الذين ترجموا للأدارسة،
ابتداء من عهد بني مرين، وهم في أغلبهم من الشرفاء، أو من العوام الفاسيين
المتشيعين لهم، بهالات ودلالات خاصة، لأن استحضار الماضي في الحاضر مفيد، ويمكن
توظيفه لتحقيق مآرب شتى
n
(1) Blachère(R.), (Fès chez les géographes arabes du moyen âge) in
Hespéris, Tome XVIII, 1er trimestre 1934, Fascule 1, pp41-48.
(2) أبو بكر أحمد بن محمد الرازي، ويعرف أيضا بابن لقيط، (ت.344هـ/955م)، وصف
الأندلس، وهو كتاب مفقود للأسف، ولكن لحسن الحظ، أنه ترجم إلى اللغة البرتغالية في
القرن 7هـ/13م، بواسطة أحد القساوسة البرتغال اسمه خيل بيرث Gil Perez. وعن هذه الترجمة، نقل إلى اللغة الإسبانية بعنوان: Cronica, del moro, Rasis، وعن كتاب الرازي المذكور، نقل كثير من المؤرخين
الأندلسيين المتأخرين أمثل البكري. وقد أشار لفي بروفنصال أيضا إلى هذا
"المؤرخ" عند حديثه عن تأسيس مدينة فاس في مقالة له، صدرت في سنة 1938
بعنوان: La fondation de Fès), dans Annales de l’Institut
d’Etudes orientales, Tome IV, Alger, 1938, pp23-52.
انظر أيضا: حول أبي بكر أحمد بن محمد الرازي، كتاب
الدكتور أحمد مختار العبادي، في تاريخ المغرب والأندلس، دار النهضة العربية،
بيروت، 1978، ص377.
(3) انظر فحوى هذا النص أيضا في:
Jean
Brignon et autres, Histoire du Maroc, Paris 6ème, Hetier, 1967, p71.
(4) مرجع الإحالة رقم 1، ص42.
(5) البكري أبو عبيد الله بن عبد العزيز المتوفي سنة 487هـ، المغرب في ذكر
إفريقيا والمغرب، الجزائر، 1857، ص115-134.
(6) الإدريسي الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد، نزهة المشتاق في اختراق
الآفاق، جزآن، بيروت، لبنان 1979، الطبعة الأولى، الجزء الأول، ص242-243.
(7)
Lévi-Provençal, (La fondation de Fès), dans Annales de l’Institut
d’Etudes arientales, tome IV, Alger, 1938, pp23-52.
(8) الفاسي علي بن أبي زرع، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب
وتاريخ مدينة فاس، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، الرباط 1972، ص14.
(9) انظر تصحيحات وتعاليق عبد الوهاب بن منصور، في هوامش كتاب روض القرطاس، في
المصدر الآنف الذكر، ثم النقد الذي وجهه لنفس المؤلف، الدكتور أحمد مختار العبادي،
في كتابه في تاريخ المغرب والأندلس، دار النهضة العربية، بيروت 1978.
ص247-248-249، حيث دعم نقده، باستشهاده على افتراءات علي ابن أبي زرع التاريخية،
بفقرة وردت في كتاب ابن مرزوق المسند الصحيح في مآثر أبي الحسن مثلا، حيث يقول ابن
مرزوق: "فبنو مرين أعزهم الله، أعلام زناتة ورؤساؤها، وكبار قبائلها،
وعظماؤها، وقد وقفت قديما على رفع نسبهم إلى زناتة وقرأت بين يدي المولى المرحوم
المولى أبو سعيد عثمان، وأكذبه فيما أدركه، مما حكاه، على خلاف ما وقع عليه"،
ص248-249.
(10) الجزنائي أبو الحسن علي، جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، تحقيق عبد
الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، 1967.
(11) نفس المصدر، ص98.
(12) ابن القاضي أحمد، جذوة والاقتباس في ذكر من حل من الأعلام بمدينة فاس،
الرباط، 1973.
(13) الكتاني محمد بن جعفر، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء
والصلحاء بفاس، 3 أجزاء طبعت على المطبعة الحجرية بفاس سنة 1899.
(14) انظر حول هذا الموضوع: كتاب علي أومليل: الخطاب التاريخي، دراسة لمنهجية
ابن خلدون، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، بدون تاريخ، ص13 وما
يليها.
(15) انظر في هذا الصدد، كتاب الدكتور أحمد مختار العبادي، في تاريخ المغرب
والأندلس، دار النهضة العربية، بيروت، 1978، ص311 وما يليها، حيث يذهب صاحبه، إلى
أن أول كتاب عربي وصل إلينا عن تاريخ المغرب والأندلس، كتبه المؤرخ المصري عبد
الرحمان بن عبد الحكم، في القرن الثالث الهجري، تحت عنوان: فتوح مصر والمغرب
والأندلس (ص312).
(16) نفس المرجع، ص314 وما يليها.
(17) انظر في هذا الصدد، مقدمة عبد الوهاب بن منصور لكتاب جني زهرة الآس في
بناء مدينة فاس، مصدر الإحالة رقم 10، ص أ – ب.
(18) مصدر الإحالة رقم 8، ص 12-13.
(19) نفس المصدر، ص13-14.
(20) اليابانية: نسبة إلى بني يابان بن كرماط بني مرين، إحدى قبائل بني مرين.
(21) جني زهرة الآس، مصدر الإحالة رقم 10، ص1-2.
(22) الإحالة رقم 3، ص68-69.
(23) البكري، مصدر الإحالة رقم 5، ص120.
(24) انظر مرجع الإحالة رقم 3، ص68-69.
(25) انظر حول هذا الموضوع ايضا، بحث عبد الأحد السبتي (أخبار المناقب ومناقب
الأخبار) في التاريخ وأدب المناقب، منشورات الجمعية المغربية للبحث التاريخي، الرباط
1988، ص104.
(26) ابن أبي زرع، مصدر الإحالة رقم 8، ص36.
(27) نفس المصدر، ص37.
(28) مصدر الإحالة رقم 10، ص 4-5-13-20.
(29) البكري، مصدر الإحالة رقم 5، ص115-18 مثلا.
(30) ابن أبي زرع، مصدر الإحالة رقم 8.
(31) زهرة الآس، مصدر الإحالة رقم 10، ص4-9 مثلا.
(32) الحلبي أحمد، الدر النفيس في مناقب الإمام إدريس بن إدريس، مطبوع على
المطبعة الحجرية بفاس، سنة 1300هـ/1883م و1314هـ/1897م.
(33) الكتاني، مصدر الإحالة رقم 13، الجزء الأول، ص69.
(34) انظر حول هذا الموضوع: القبلي محمد، (مساهمة في تاريخ التمهيد لظهور دولة
السعديين)، في كتابه مراجعات حول المجتمع والثقافة بالمغرب الوسيط، دار توبقال
للنشر، الدار البيضاء 1987، ص79 وما يليها.