ص1      الفهرس      21-30 

التجديد التكنولوجي والتنافسية الصناعية بالمغرب:

أية وضعية في زمن عولمة التنافسية؟

 

تقديـم:

في ظل انتشار ظاهرة العولمة والثورة التي تعرفها تكنولوجيا الإعلام، أصبح العالم عبارة عن "قرية صغيرة" يحكمها منطق التفوق الاقتصادي والثقافي. فالدول التي تمتلك القوة الاقتصادية هي التي تسير عالم هذه القرية حسب رغبتها لخدمة مصالحها على حساب تعاسة المجتمعات المتخلفة.

لقد أدت حدة المنافسة بين دول المعمور إلى إحداث "حرب اقتصادية" سلاحها الوحيد يكمن في القوة التنافسية لكل بلد، ولهذا الغرض أصبحت جميع البلدان مطالبة بتقوية سلاحها الاقتصادي عن طريق تأهيل اقتصادياتها الوطنية.

وتجدر الإشارة إلى أن التأهيل الاقتصادي لا يمكن له أن يتحقق إلا بفضل الاستثمار في الموارد البشرية والتجديد التكنولوجي. إن التفوق التكنولوجي يكسب الاقتصاد مناعة كبيرة للهيمنة على الأسواق الخارجية ومواجهة تحديات عولمة المنافسة. بحيث أن الدول التي ستجني ثمر العولمة هي تلك التي تبتكر في مجال التجديد التكنولوجي. ضحيتها ستكون بدون شك دول العالم الثالث التي لا تزال سجينة التخلف الواضح في الميدان التكنولوجي والاقتصادي.

فالعلاقة بين التجديد التكنولوجي والتنافسية إذن علاقة عضوية، ولعل هيمنة الدول المتقدمة في المجال التكنولوجي على التجارة الخارجية لخير دليل على ذلك[1]. إن أكبر تحد يواجه حاليا دول العالم الثالث هو تحدي عولمة المنافسة، وفي هذا الباب سنحاول من خلال هذه الورقة إعطاء بعض المؤشرات عن وضعية المغرب في مجال التنافسية الصناعية والتجديد التكنولوجي.

1 ـ كيف تطورت تنافسية القطاع الصناعي المغربي؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب أولا التعريف بمصطلح التنافسية. هناك عدة تعاريف تم اقتراحها في هذا الصدد[2]، ومن بينها التعريف الذي أعطاه لـ.تايزن (L.TAYSON) حيث عرف تنافسية اقتصاد البلد كما يلي: "قدرتنا على إنتاج السلع والخدمات التي تستجيب للمعايير الدولية، مع تمكين مواطنينا من العيش في مستوى مقبول وفي تحسن مستمر"[3]. لا يمكن لأي بلد من بلدان العالم أن ينتج سلعا ذات جودة تستجيب للمعايير الدولية دون أن يتوفر على التكنولوجيا المتقدمة (تكنولوجيا الإعلام وتكنولوجيا الإنتاج)، لأن التجديد التكنولوجي هو الذي يمنح الاقتصاد الامتياز التنافسي (L’avantage compétitif) بالمقارنة مع الاقتصاديات المنافسة، ومن هنا تظهر ضرورة الاهتمام بالتجديد التكنولوجي من أجل تحسين التنافسية الصناعية كشرط أساسي لتحقيق اندماج قوي ونشيط في الاقتصاد "المعولم".

أما في ما يخص تطور تنافسية القطاع الصناعي المغربي، فقد تم الاعتماد على مؤشرات التجارة الخارجية لتقييم تنافسية المقاولات الصناعية في إطار مقاربة ديناميكة (انظر الجدول1).

انطلاقا من الجدول 1، نلاحظ أن مجهود التقدير للمقاولات الصناعية جد ضعيف، بحيث لم يتعد (32%) بالمقارنة مع وزن تسرب المنتوجات الأجنبية الذي تجاوز (60%) خلال المرحلة الممتدة ما بين 1985 و1994.

انظر جدول  1

بيانات حول الجدول  1

 

ص

ـــــــ = مجهود التصدير (L'effort d'exportation)

إ + م

  ص

ـــــــ = نسبة التصدير (Taux d'exportation)

   إ

ص - و

ــــــــ = نسبة التخصص (Taux de spécialisation)

ص + و

     و

ـــــــــــ = نسبة التسرب (Taux de pénétration)

إ + و-ص

  ص

ـــــــ = معدل التغطية (Taux de couverture)

   و

رغم المجهودات المبذولة لتشجيع المقاولات على ترويج منتوجاتها الصناعية في الأسواق الخارجية، فإن درجة انفتاحها على الخارج لا تتعدى 50% ويمكن تفسير هذه الوضعية بالصعوبات الكبيرة التي تواجهها المقاولات الصناعية المغربية على مستوى السوق الخارجية، نظرا لحدة المنافسة الأجنبية من جهة وضعف دينامكية النسيج الصناعي الوطني من جهة أخرى، كما يبدو واضحا من خلال التطور السلبي لمعدل التخصص الصناعي.

أما في ما يخص نسبة تغطية الواردات الصناعية بالصادرات الصناعية، فهي لا زالت ضعيفة وتترجم عجز الصادرات عن تمويل الواردات، بحيث أن معدل التغطية يقل بكثير عن المائة. بصفة عامة، نلاحظ أن تنافسية القطاع الصناعي تطورت بشكل بطيء خلال السنوات الأخيرة، ولعل ضعف نمو معدل التغطية (27،0-%) ما بين 1990 و1994 لخير مؤشر على ذلك.

خلال سنة 1996، لاحظنا أن ما يناهز 75% من المقاولات الصناعية الموزعة عبر مختلف القطاعات المكونة للنسيج الصناعي تتميز بتنافسية ضعيفة أو شبه منعدمة، وعلى سبيل المثال، نجد أن 95% من الصناعات الحديدية والميكانيكية تعاني من ضعف تنافسيتها[4]. من بين الأسباب الكامنة وراء ضعف وهشاشة التنافسية الصناعية بالمغرب، نجد ضعف الإنتاجية كنتيجة منطقية للنقص الحاصل في اليد العاملة المؤهلة والتخلف في مجال التجديد التكنولوجي.

2 – التجديد التكنولوجي بالمغرب: أية وضعية؟

للإجابة عن هذا السؤال، سنعتمد على التقارير التي تم إنجازها من طرف وزارة الصناعة والتجارة ووزارة التعليم العالي[5] في مجال البحث والتطوير (R-D) كوسيلة لتحقيق التجديد التكنولوجي.

لقد أثبت التقرير الذي أنجزته وزارة الصناعة والتجارة سنة 1997 حول أنشطة البحث والتطوير على مستوى الصناعات الميكانيكية والحديدية والكهربائية والإلكترونية على أن عدد المقاولات التي تهتم بالبحث والتطوير جد ضعيف، بحيث أن حوالي 80% من المقاولات التي تم إحصاؤها (443 مقاولة) لم تنجز أي نشاط في هذا الميدان، كما هو مبين في الجدول 2.

الجدول 2: وضعية البحث والتطوير على مستوى الصناعات الميكانيكية والحديدية والكهربائية والإلكترونية (1997).

 

المقاولات

عدد الحالات

النسبة (%)

المقاولات التي أنجزت نشاطا في مجال البحث والتطوير

100

23

المقاولات التي لم تنجز أي نشاط في مجال البحث والتطوير

343

77

المجموع

443

100

المصدر: تقرير وزارة الصناعة والتجارة حول أنشطة البحث والتطوير بالصناعات الميكانيكية والحديدية والكهربائية والإلكترونية، مارس 1998.

 

بينت نتائج التقرير أيضا أن 50% من المقاولات التي تم إحصاؤها قللت من أهمية الأنشطة المتعلقة بالبحث والتطوير، وأكثر من ذلك أنها لم تبرمج لأي عمل في هذا الاتجاه.

دائما في مجال التجديد التكنولوجي، توصلت الدراسة التي نشرتها وزارة الصناعة والتجارة سنة 1996 إلى نتائج هزيلة جدا، تؤكد على أن المقاولات المغربية تخصص أقل من 1،0% من رقم معاملاتها للبحث والتطوير أي ما يعادل 300 مرة أقل من متوسط الدول المتقدمة. وقد تم تأكيد هذه النتائج كذلك من طرف وزارة التعليم العالي من خلال إحصاء أنجزته سنة 1996 في هذا المجال، حيث تبين أن من بين 910 وحدة بحث تم إحصاؤها 20% فقط تنتمي إلى القطاع المنتج، ومن ضمنها 1% إلى القطاع الخاص، مما يدل على عدم اهتمام المقاولات الخاصة بالتجديد التكنولوجي، رغم أهميته في تحسين قدرتها التنافسية.

فعلى مستوى الاقتصاد الكلي، تخصص الدول المتقدمة اعتمادات مهمة للتجديد التكنولوجي، حيث بلغت نفقات الدول الصناعية المستثمرة في مجال البحث والتطوير 45،2% من الإنتاج الداخلي الخام في المتوسط خلال عقد التسعينات، فعلى سبيل المثال: فرنسا (34،2%)، اليابان (58،2%) والولايات المتحدة الأمريكية (78،2%).

إن التجديد التكنولوجي في الدول المتقدمة لم يقتصر فقط على القطاع الصناعي، بل شمل أيضا قطاع الخدمات (الأبناك، التأمين…).

لا يجادل أحد منا في التأثير الإيجابي للتجديد التكنولوجي على الإنتاجية وبالتالي على التنافسية. فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية التي تهتم بشكل كبير بالتجديد التكنولوجي، سجلت أحسن إنتاجية بالمقارنة مع الدول الصناعية الكبرى في أوربا[6].

على صعيد الاقتصاد المغربي، لقد أثر شبه انعدام التجديد التكنولوجي سلبيا على إنتاجية العمل على مستوى القطاع الصناعي كما يوضح ذلك الجدول 3:


                                الجدول 3: تطور إنتاجية العمل حسب القطاعات الصناعية (1981-1997)

القطاعات

معدل النمو السنوي المتوسط (%)

القيمة المضافة

التشغيل

إنتاجية العمل(*)

الصناعات الفلاحية والغذائية:

10 ـ الصناعات الغذائية

11 ـ الصناعات الغذائية الأخرى

12 ـ المشروبات والسجائر

 

5،5

7،5

8،9

 

7،3

9،5

6،1

 

8،1

(2،0-)

2،8

الصناعات النسيجية والجلدية:

13 ـ النسيج

14 ـ الملابس

15 ـ الجلد (بما فيها الأحذية)

 

7،3

2،17

9،1

 

3،3

1،16

1،4

 

4،0

4،0

(2،2-)

الصناعات الكيماوية وشبه الكيماوية:

16 ـ الخشب – التجهيز

17 ـ الورق – الطباعة

18 ـ تحويل المعادن..

25 ـ الكيمياوية وشبه الكيمياوية

26 ـ بلاستيك..

27 ـ صناعات أخرى

 

2،0

1،1

8،4

1،5

0،5

8،11

 

9،1

1،3

5،4

0،5

4،5

0،5

 

(7،1-)

(0،2-)

3،0

1،0

(4،0-)

8،6

الصناعات الميكانيكية والحديدية:

19 ـ الصناعات الحديدية الأساسية

20 ـ المعدات الحديدية

21 ـ معدات التجهيز

22 ـ وسائل النقل.

 

9،7

6،1

1،5

8،3

 

4،1-

7،3

2،6

7،5

 

3،9

(1،2-)

(1،1-)

(9،1-)

الصناعات الكهربائية والإلكترونية:

23  ـ معدات كهربائية وإلكترونية

24 ـ أجهزة الضبط.

 

8،5

2،13

 

0،2

4،7

 

8،3

8،5

                                        المصدر: إنجاز شخصي انطلاقا من معطيات وزارة الصناعة والتجارة.

 

إذا تفحصنا بإمعان الجدول أعلاه، يمكن لنا أن نصنف القطاعات الصناعية حسب مستوى إنتاجية العمل إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: تتميز القطاعات التي تشكل هذه المجموعة بتحسن ملموس في إنتاجية العمل، لكن عددها قليل ونذكر بالخصوص الصناعات الحديدية الأساسية (3،9%) وصناعة المشروبات والسجائر (2،8%)،

المجموعة الثانية: تتشكل من القطاعات الصناعية التي سجلت تطورا ضعيفا في ما يخص إنتاجية العمل وهي: صناعة النسيج (4،0%)، صناعة الملابس (4،0%)، صناعة تحويل المعادن (3،0%) وصناعة البلاستيك (1،0%)؛

المجموعة الثالثة: تضم الصناعات التي عرفت انخفاضا واضحا في إنتاجية العمل، ومن بين هذه الصناعات نجد صناعة الجلد والأحدية (2،2-%)، صناعة الخشب (7،1-%)، صناعة الورق والطباعة (2-%)، صناعة المعدات الحديدية (1،2-%)، صناعة معدات التجهيز (1،1-%) وصناعة وسائل النقل (9،1-%).

خلاصة:

من خلال هذه الورقة تبين لنا بأن شبه غياب التجديد التكنولوجي بالمغرب يمكن اعتباره من بين الأسباب الكبرى التي تفسر تراجع الإنتاجية وبالتالي ضعف تنافسية الصناعة الوطنية بالمقارنة مع وضعية الدول الصناعية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتربع على عرش التجديد التكنولوجي، الذي جعل منها القوة الاقتصادية الأولى في العالم.

ففي إطار منافسة غير تامة واقتصاد معولم، أصبح التجديد التكنولوجي (تكنولوجيا الإعلام وتكنولوجيا الإنتاج) وسيلة استراتيجية لشق الطريق نحو تحقيق تنافسية اقتصادية تضمن للاقتصاد الوطني الاستمرار في مواجهة تحديات المنافسة الشرسة. فكيف يمكن إذن للاقتصاد المغربي أن يراهن على السباق نحو التنافسية لجني ثمار العلومة بدون استثمار في مجال التجديد التكنولوجي، وعيا بأن منافسة اليوم والغد ترتكز أساسا على تنويع الإنتاج وجودة المنتوج n 

 



[1]  - Pierre BUIGUES et Alexis JAQUEMIN : (Haute Technologie et Compétitivité : une comparaison entre l’union européenne et les Etats-Unies), Revue d’économie industrielle, n°80, 2ème trimestre 1997.

[2]  - Dimitris BOURANTAS, (Industrie : Les bases de la compétitivité internationale), Revue française de gestion, septembre-octobre 1983, pp31-32.

[3]  - (L.) TYSON, cité par KRUGMAN (P.), (Competitiveness a dangerous obsession), Foreign Affaires, 1994, p31.

[4]  - Mohamed LAHMOUCHI : (De l’avantage comparatif à l’avantage compétitif…), l’opinion du 24 Mars 1999, p8.

[5]  -* Ministère de l’industrie et de commerce :

     -une enquête menée auprès d’un échantillon de 250 entreprises sur leur niveau technologique, 1996 ;

     -un rapport de l’enquête sur les activités de R et D dans les industries mécaniques, métallurgiques, électriques et électroniques, mars, 1998.

     *Ministère de l’enseignement supérieur : Un recensement effectué en 1996 sur 910 unités de recherches.

[6]  - Pierre BUIGUES et Alexis JAQUEMIN : (Haute Technologique et compétitivité…), op., cit.

(*) إنتاجية العمل = القيمة المضافة: عدد المأجورين.