فسيفساء
النص القادم
أحمد المديني
وإذن، اخدش أسراري
اقنص لحظة شروقي
تدبر أمر غروبي والغروب
فرصة وجودي تتهالك على أوان غيابي
الصوت والصدى فـيّ منفلت ومتجمع
الفصول كلها تزدهر من عناصر تكويني
الأقربون الأبعدون مضمة حول خصري
النخلة السامقة، السحابة الباسقة، الجذع الثاوي
في خدن الأرض، الفجر الحاوي أسرار المهد
يقظتي، هجعتي، يوم بعثرتني بعد أن لملمني هواك
السفن المشرعة انفتاحا على المدى
الضفاف الملوحة لأحضان الغياب
الأسرار الممعنة في رحيل الغرباء
أفول الأسماء تلو الأشلاء
رنين أقمار أم أصفاد في العيون المطفأة
الاحتمالات مفتوحة كلها لهذا النزيف
شعري على الإفريز لا تجمعه حسرة العابرين
سطوة من الكلمات + جيش عرموم من الصور
صدى الصهيل قرابة ألف عام + الوحشة
تلك المتناجية بين استذكاري ونسيانك
الطرقات المفزوعة بحثا عن خطى هاربة
كانت هنا بقية الخطوة لمسة الرعشة الخائفة
كلما تقدمت إليك اتسع بياضي
كلما ابتعدت ضاقت العبارة
كلما بين بين جنت البلاغة.
أينه، أين، أوه، آه!
المدى المرسوم في العبير اسمه مسك اللون
عنوانه ذكرى البنفسج
الخريف يتأجج صهدا بتقاسيم حسنك
من أقصى الفناء سأرتد إلى نطفتك
سداي ولحمتك آخر حسرة الليل
فغمة قهوة الصباح مثل فرحة حائرة
ما لم أكنه لتصبحني
ما سأغدوه هيت لك تلحق بي
المحال اللايدرك، أأنا أم أنت؟
الوقت منتعلا حافر المنفى
الغربة هي الخطوة الواثقة
الكائن ملاحقا ظله حتى إليك
بين أرض وسماء بدء هواك
… وإذن، اكتبنني
لم أكن أعلم. فإن علمت أخفيت سرك في صدري
أنا الذي يغار عليه من أن يمس أو يذاع
أحمل الصورة. تليها الصور. تذيلها الحواشي
والحكايات.
أحملها وأنا ألهث في البرية لأسوق مثل صحن طائر
أمرّ بالعابرين فلا يراني أحد أو أكاد أرى
خلافا للتقارير، النهار ليس فضيحة علنية
نمشي تحت ضوئه، قل أن نتساءل عن مصير الظلال
هل الذين ينظرون إلينا يعرفون حقا وجوهنا، يتأكدون
من ملامحنا، أم أنهم، إنما يقبضون على مخايل صور سابقة لوجوهنا تركناها في زمن
فات، ومكان توارى.
الليل هو مجال افتضاح الأسرار، وانفتاح القمقم
لتنفلت الرهبة المكتومة في الداخل.
هي ذي صوري تعبت من التستر نهارا بين الغدو
والرواح، من محاولات وضع الأقنعة لوجه بلا قناع، يمشي في الشوارع تائها بين
البلدان، وهمه لملمة بقايا خلقة فائتة ويراها لا تفلت من ذكراه، إلا أن تزيد كثافة
ذكرى بين تضاريس الزوال، وطقوس كل ولادة عسيرة.
هكذا أنتظر الليل بشغف قدوم الحبيب، وفي نفسي ألف
خاطر وما لا عد له من الحسرات.
أهيء له وقته وأريكته، أفرش له هواي.
أستدعي أول عبير قد تنفس من عليق الحديقة.
أولى نجوم السماء تتربع ثلجا في قدحه، وأقول له:
في صحة بهاء النور أيها الذي أنت مدركي وأنا أداري
الوجل
المتلبسني في طيف من هي مدركتي
من ضفاف نظرتها أرى في وجهه ألقا
ثم دقائق ترتعش كالخبل في مفاصله
زفير يلفعني من وجهه أم وجهها كأنه يلفح وجه القمر
لقد استوى بدرا بيننا وتضوأ المكان، كل المكان.
لا زاوية إلا والليل فيها جليس، ونحن نصغي
لصمت بعضنا، نتناوش البدء في الكلام. أقصد
مراوغة بقايا اللغة المسموحة، متشبثين بأهداب
أصفى اللغات عراقة في التكتم على بوحها، تريده
بوحنا الذي جعلناه في حرز حريز.
من شدة اللفح كان الخدر قد سرى في الجسد المتوهج
سلفا
يلقي بالحمم. أتراه صوت من الليل أم صوتها يطلبني
إلى ليله؟ أنا لا في الصحو لا إلى النوم ذاهب. في
الزمن الواحد
أقيم والأزمنة متداخلة في جلستنا المشتركة. في
الزمن
المتشابك لا مقام لي لكي يهاجمني زمنها الأدهى، هو
الأبقى.
في أي موكب؟
عربة واحدة مرت، ليس الموكب إلا لها وبها
أي أني فتحت عيني فإذا بي أرى
دون سمعي الصوت اللجب فإذا بي أسمع
ثم هاك هذا البشر المثقل بالضرورة
وإذا بي أموج في الموج من تمايل العابرين
عند حجرة تأسيسي ألفيتها توقفت برقا
قليلا، تبيع النذر في مدينتها الجسد.
غدا مثل أمس، ستظل تسأل
مثل أمس بلا نظير سيجمح السؤال
وكنه السر يتكاثف في تباوح أسرار صاعدة إلى برج
الأوداية
هنا أراها على غير العادة وهي تستطلع نظرتي
القادمة من
شرفات البحر من حيث كنت أرقب امرأة مع شروع النظر
إليها وهي تتبدل إلى أمامي في تكوينات الحضارات
الموغلة
في شهوة دمي سألتها هل أنت جنية البحر كيف التحول
يكتب بخط الرمل يغزله مداد الماء
الماء، الماء دائما، سنبقى عطاشا إلى دمنا
ماذا يثفأ حرنا نحن جهنم حتى لهيب الأخيلة
رمل منسرب أم منشرح في تطريز الماء
بدء سؤالي ارتباكي عند النبع البليل
خاتمة جوابي النقع المثار بلا نطع في الأفق.
تراه، يتقد به الفرس الأصهب
الفارس الأدهم ممتطيا صهوته
شرفة أخرى تتوسطها مائدة عليها صحون فمزدانة
بسمك وخضار فمحلاة بنبيذ ثمل بالحجل الكامن
في الأحراش الخلفية.
مثل فم، يلثم خلسة خوخة ويهرب بالطعم إلى آخر
الجنان.
مستنفرا عساكره من فوق البرج وتحت الموج
يقينا ستطير النوارس جذلى بين سلا وأبي رقراق
لسان المحيط لهما معبر يليه كمون البنفسج
تحديدا من معبر الحوذي الباحث في مراكش عن مراكش
معبر مسافر ضيع أعضاءه بين قطار ومطار
معبر فلول رجال مهزومين، مركولين، معلقين من
الأهداب
بذاكرة تفيض عن حاجات الذاكرة
هؤلاء مثل أولئك أعلموني وقوفهم سامقين أبدا،
أي مثل نخلة "سيدي يعقوب" في مدينة ما
حبلى بالرّطب الجني وبالذهول
مرميا بالغواية عند مرور الموكب الشهوي ذات
أي ذات اليمين، ذات الشمال
أي رجال هؤلاء، أي؟!
ولذا فالتسليم معبر
التسليم لنساء البلاد أجدر
التسليم، التسليم، فاعتقن روحه، جمّعن رمادي
ما تبقى من شمس الغياب، وفائض مر الوقت
انشرن من عريكن الشراع لسفينة اغترابه
لا الكوكب في احتجاب، لا المركب مجدافه الإياب
كما هي حين تعبر في رشح الشاي قبضة من النعناع
نصف عارية نصف مغروسة أو…
كما لو أنها ثمر جني والقطاف جسم عليل، ما أنا
بعليل
إلا حاسرات الطرف يهدين سراه
تجمّعن في سدرة المبنى غب انتشار النساء في شهوات
الرجال
شهوتك أنت شموخ المعنى.
كذا تأسيس الرباط لمن لا يعلمون أو يستنكرون بظرف
الكلام
اختراق الشهب… كذلك تزف المدن الغانيات بين ترجيع
الدفوف وطعريجة الألف في الدقة المراكشية
ويحك، أتصدق بعد الهجر الهجير
مدمنا العلو في أكمات انجرافك
تتدثر باللحم …… قاطفا "وردة التهلكة"
صاعدا في نزولك أم النزول مرقاتك إلى السماء
منتشرا في رُطَبهَا، مسافرا إلى جدل الاستحالة
هو الوطن الأخير هذا اللامكان، اللاوقت، اللااسم
لو جاءت، أسلمتها صولجان الحكاية لتروي البقية.