الفقدان الجذري للمدلول
ادعاء الوضوح وأفق الحقيقة المستحيلة
عبد الصمد الكباص
مع الفقدان الجذري للمدلول، هذا الغائب الأبدي، لن يكون الوضوح سوى دال لم تدفعه إلى البروز أية جبرية، ولم تفرضه أية ضرورة تجعله مطلبا أساسيا يجب تحقيقه. ففي فراغ غير محدود لهذا الدال، لا يوجد وضوح. وليس هناك ما هو واضح وما هو غير واضح. وليس هناك ما هو واضح بذاته، أي البديهي الذي يجب أن تؤسس عليه كل معرفة رصينة. وليس في اللغة ما يمكن أن يكون واضحا، فلا وجود للمعنى.
ـ 1 ـ
هل الوضوح واضح بذاته؟ هل له الاستطاعة للإنوجاد من تلقاء نفسه كتجلي لوضوحه؟ هل بالإمكان الحسم بشكل قاطع بين ما هو واضح وما هو غير واضح؟ هل يمكن الانقياد بارتياح تام لثنائية الوضوح/اللاوضوح؟ ما هي الأرضية التي تسمح بالاعتقاد بإمكانية الوضوح؟ قبل أن تكون الأفكار، والأشياء، أو التعابير واضحة، من أين يستمد الوضوح وضوحه إن كان واضحا؟…
هذه العودة إلى حيز السؤال، لا تهدف ضمان استقرار مطلق، ينتشر عبر إجابة تؤكد بديهية ما أو تؤبدها. مثلما أنها لا تسعى إلى تأمين حيازة آمنة لثبات مباطن لجوانية موقف نظري يحضن عالما متناسقا ومتماسكا.
إنها انقضاض قلق، بفعل قفزة تحاصر إمكاناتها بطفرتها، على مدار اعتباطي مخفي بضرورة لا تبرر نفسها، حيث تقدم احتمالية اكتفاء الوضوح بذاته، كيقين يصلح لتشكيل أساس قبلي لإمكانات مجذوبة في حدوثها نحو قصدية متعالية عن التجزيء، هي قصدية الوضوح التي تقدم في احتمالات كثيرة بمثابة الشرك المطلق لكل سيرورة معرفية، إذ ترسم خطوات تطورها كمسيرة توضيح مسترسلة في اتجاه غايتها النهائية: الوضوح المطلق الذي يتجاوز في شموليته كل تجزيء. وبهذا يصبح هيكل المعرفة بمثابة استعادة دائمة لغاية واحدة تكيف وسائلها وفقها، حتى غدا الوضوح بمثابة نقطة تكثيف لكل احتمال فكري أو معرفي أو كلامي. ووضع في حالات أخرى كبداهة أولى تؤكد نفسها بنفسها ولا تحتاج إلى مبرر خارجها يمنحها صدقها وضرورتها… وقد تضاعف هذا الدفع بالوضوح إلى أن جعله في تتويجه الأقصى مطلبا يجب على المعرفة أن تلبيه وهي في صيرورة توضيعها لاحتمالات حدوث العالم، أو واجب يلزمها تأديته في حيازتها الذاتية لنفسها كمفاهيم وتصورات وأفكار وأحكام، وفي كشفها عن هذه الحيازة الذاتية كإمكان موضوعي… لقد أضحى الأمر متعلقا بجبرية تُلْزِمُ المعرفة في احتمالات حدوثها أن تخضع لها وأن تحاكم بموجبها…
ـ 2 ـ
إن ادعاء انطواء احتمال معرفي على هذه الجبرية –جبرية الوضوح- الموضوعة كغائية محددة قبليا تملي نفسها عليها وتخترقها كصدى يحايثها لمعيار متعالي، يجعل هذه الجبرية تخفي، وتحجب، شروط إمكانها ذاتها التي تمنحها هذه القدرة على استيعاء نفسها كجبرية. وهذا الإخفاء هو في حد ذاته إخفاء لاعتباطيتها المحجوبة بكثافة ادعاء جبريتها. لكن ألا يبدو أن سؤال: لماذا الوضوح؟ وما هي شروط إمكانه؟ يسير في توافق مع منح هذا الادعاء، ادعاء جبرية الوضوح بالنسبة للمعرفة أو وجوبه، منحه ما يتيح له أن يكون مبررا، أي أن يندرج ضمن عملية نفي لجبرية اعتباطية، مقابل إثبات وتوطين جبرية مبررة بأسس تدعمها كسند منطقي يجعل منها ضرورة وليس مجرد صدفة واعتباط؟ ألا يبدو كذلك من وجهة أخرى أن هذا البحث عن المبرر وعن السند والأساس هو في حد ذاته تعرية لفراغ يتمسك به كامتلاء، يبيح لنفسه الانتشار كحيز متحرر من حدوده، ينفتح على نفسه كأفق لها، يجد فيها باطنه الذي ينعكس فيه من حيث هو فراغ متجلٍّ في فراغه، ومن حيث كونه حركة مستمرة للإمحاء التام لكل أثر يريد أن يستوطن فيه دون أن يتخلى عن امتلائه؟ ألا يكون هذا البحث هو بحث عن هذا الامحاء لكل أساس، ليس كامحاء لما كان قائما ثم طاله المحو، بل الامحاء التام الذي يستبق كل إمكانية تستدرج ذاتها لنفيه؟ من هذه الوجهة، يصبح السؤال عن لماذا الوضوح؟ ليس سؤالا عما يبرره، بل عما لا يبرره. مثلما يصير التساؤل عن شروط إمكان الوضوح، ليس بحثا عن ما يمنحه ضرورته، بل هو بحث عن فراغ ينتشر خلف هذه الضرورة، والذي يكون منبع استحالتها، أي هذه الصدف التي تمنح لغيرها ما لا تستطيع أن تعطيه لنفسها، والتي تجعل من خلال صدفتها هذه الضرورة ممكنة.
إن الفراغ غير المشروط بحدوده، والصدفة المنفلتة من مبرراتها، لا تقبع في موقع خلفي أو ما ورائي إزاء ضرورة الوضوح، في وضعية ساكنة تسمح لهذه الضرورة أن تحتضن نفسها في كثافة ضرورتها، كما أنهما لا يعرضان نفسيهما للامحاء والزوال لصالح هذه الكثافة، ولصالح انبثاقها التلقائي. إنهما (أي الفراغ والصدفة) يخترقان الوضوح عندما يراد عرضه كضرورة. ليجعلا منه ضرورة لا تقتضي نفسها ولا تستلزمها. ضرورة هي بمثابة صدفة منسية. حيث يؤدي الاندماج الكلي في شروط هذا النسيان إلى بروز اكتساح شمولي لادعاء جبرية الوضوح بالنسبة للمعرفة…
إن مغامرة الانقذاف، إلى ما يتشكل –بقرار ذاتي للمنقذف- كخارج اللغة، أي القفز والارتماء إلى ما يعتقد أنه مجال ما بعد الكلمات الممتلئ والذي يرسل إشاراته التي تجعل الدوال تحوز على امتلائها بمدلولات تفيض عنها وهي تلتقط إشارات امتلاء هذا المجال، بحيث تكون العودة إليه هي الضامن للتأكد من مدى جودة هذه المدلولات في التمثيل، إن هذا الانقذاف لا يسمح باستعادة شفافة للبداهة الأولى –[ هذا الوهم ]- التي تمنح لكلمة "وضوح" امتلاءها الضمني والمحدد بدقة. ذلك لأن التخطي والانقذاف إلى ما بعد اللغة أو ما قبلها، حيث الانتشار الموسع لمواضيع العلامات، ولوقائع القضايا، ولأفكار وتصورات العبارات والجمل، هو انقذاف محفوف بالكلمات، مغمور باللغة وبألفاظها، انقذاف داخل اللغة مشحون بتوزيعاتها. فخارج الكلمات أو ما بعدها، والمحدد من خلال كلمات، هو كلمات. وعملية التخطي ليست إلا تخطي كلمة في اتجاه كلمات أخرى بواسطة كلمات تتبادل الأدوار فيما بينها بشكل لا نهائي، حيث البعض منها يلعب دور المدلول للبعض الآخر الذي يجسد وظيفة الدال. وتنقلب اللعبة في اتجاهات مختلفة. فتدحرج الكلمات يحتوي ويغلف مرجعها المفترض، لكن من حيث يكون هذا الغلاف قشرة من الكلمات تلف قشرة أخرى منها. وهكذا فما يعتبر بداهة أولى ليست إلا كلمات جعلتها كثافة الاستعمال كذلك.
في هذه الكثافة تقدم كلمتي الوضوح/اللاوضوح، كثنائية تقابلية يدخل طرفاها في صيرورة استبعاد كلي لكليهما. ومن خلال هذا، استبعاد لتحايدهما إزاء بعضهما، والذي يصبح بفعل الوضع التقابلي لهذه الثنائية بمثابة ثالثها المرفوع. لكن هذه الثنائية تبدو كاشتقاق من معيار تستبقه وفي نفس الوقت تفترضه قبليا، كمعيار سابق لها تستمد منه مشروعيتها في الحسم بين طرفيها. بين أحضان هذه الثنائية يتولد هذا المعيار، معيار مفترض سبقه، كأصل قبلي، لكن قبليته لن تكون سوى افتراض يقحم في حيز اليقين، لأن هذا المعيار الذي يسمح بالتمييز بين الوضوح واللاوضوح، هو غير محدد سلفا مع أنه يفرض باعتباره كذلك. إنه فارغ، وفراغه هذا يسمح له أن يكون بمثابة استعداد معطى لهذه الثنائية لملئ هذا الفراغ، أي لتحديد عناصره المعتمدة للتمييز والفصل بين ما يجب أن يصنف في خانة الوضوح، وما يجب أن يوضع في خانة اللاوضوح، لكن من حيث يكون هذا التحديد غير مستقر في عناصره ومقاييسه. وهذا ما يجعل هذه الثنائية بمعيارها الذي تستبقه وتولده وتفترض نفسها كمجرد مشتق منه، إنما هي مبرر قبلي محتمل لمنح امتياز ما أو لمباشرة إقصاء أو نفي أو تهميش. فالوضوح يكون مبررا مسبقا محتملا قابلا للاستعمال في أي لحظة ووفق أي معيار، لمنح احتمال معرفي ما امتيازا، لتكريسه، وجعله يحظى بموقع مركزي.
وفي المقابل فإن اللاوضوح قد يكون بمثابة مسوغ قبلي جاهز، لإقصاء أي خطاب أو احتمال معرفي، أو للتقليل من حجم أهميته، وتقليص كثافة حضوره، ونفيه إلى هامش مبعد. المستعاد هنا هو ثنائيات المركز والهامش، الاستحضار والإقصاء، التثمين والتحقير، التي تجعل مواقع انتشار احتمالات –الحدوث المعرفية، وساحة تداولها محتكرة من قبل توزيع تفاضلي، يجد أحد أهم مسوغاته القبلية ومبرراته المسبقة في هذه الثنائية التي تمنح اعتبارات معرفية مبالغ فيها مرتبطة باليقين والحقيقة. في حين أنه في دورها الذي تقوم به، تندرج ضمن لعبة القيم التي هي لعبة تفاضل وتراتب. فليس الواضح إلا ما أريد له أن يكون كذلك، في فراغ غير محدود لهذه الكلمة. فراغ مسكون بفقدان جذري لمدلول، تتوسط الدوال بعضها البعض من أجل استحضار موهوم لأثر هذا الفقدان الجذري ولشارة من شاراته تسمح بتهيئ مجال انتشار هذه الدوال وسيلانها لاجتياح شمولي للمعنى.
ـ 3 ـ
ضمن عملية الاختزال والحصر والتقنين التي تستهدف تدفق احتمالات حدوث المجرى الأنطولوجي()، تتكون علامة لا تلغي نفسها لحساب غيرها، لا تكون في حضورها فانية في ما تدل عليه، لا تحضر فقط من أجل ما تمثله وتشير إليه. بل هي علامة تحضر من أجل حضورها الممتلئ، لا تحيل إلا على نفسها، متضخمة في وحدتها، غير منقسمة على ذاتها، مطابقة لنفسها. تحول كل ما عداها إلى وجود من أجلها. وتجعل أهميته تكمن في أن يمثل أمامها كموضوع حاضر إزاءها. تحدد غائيته، وغائية انتظامه الذاتي المفترض، تضع داخله قانونا ومعنى، وتعمل على اكتشافه، تتمرأى فيه قبلياتها، من حيث تكون هذه القبليات: مقولات، مبادئ، كليات، بديهيات…، وتجعل منه تجليها الخارجي. هذه العلامة التي تضع نفسها كمركز متضخم في وحدته، هي الـ ذات. فهل يمكن أن يكون ادعاء الوضوح تحصيلا لتقاطع ما يقدم كقبليات متعالية بما يتحدد كمواضيع خارجية لذات تتوسط نفسها عبر هذا التقاطع؟
تعمل إجراءات الحصر الأنطولوجي على اختزال سيلان وكثرة وتشتت التموقع المجراوي() لاحتمالات حدوث العالم وذلك بمحاولة التأكيد على أحاديته، هذا التأكيد الذي يسعى إلى إيجاد مناطق الإرساء. وهي مواقع لا تتزحزح ولا تتحرك بفضل امتلائها، تتكاثف فيما بينها بشكل تضافري يخول لها أن تتشكل كأساس لإرساء مجموعة من التحققات التي تختلف فيما بينها. لكن هذا الاختلاف يتم في إطار ثبات أساسها أو مناطق إرسائها التي يمكن اعتبارها بمثابة تلك النقطة الثابتة التي طالب بها أرخميدس ليحرك الأرض من مكانها. ومناطق الإرساء هذه، هي التي يسعى كل من الهوية والمفهوم والعلاقة والقانون والعلية… وباقي إجراءات الحصر الأنطولوجي() إلى تحديدها لكي تظفر بوحدة الاحتمال ليتحول إلى كائن مطابق لذاته. وبفعل مناطق الإرساء التي تظهر ثارة كهوية، أو معنى، أو خصائص جوهرية، أو مفهوم، أو ماهية، أو حقيقة…، تتوفر قاعدة لانتظام التغير، واستيعاب التحول الطفروي ليصبح تحولا منظما لا يتعارض مع الأساس الثابت الذي تم فوق أرضيته، بل إن هذا التحول لا يصبح من هذا المنظور ممكنا إلا في إطار ما تسمح به مناطق الإرساء. فتتولد من خلال إجراءات الحصر الأنطولوجي ثنائيات: الثابت/المتغير، الجوهر/العرض، الجواني/البراني، المضمون/الشكل، ال في ـ ذاته/الظاهرة… حيث يشكل العنصر الأول من كل ثنائية مناطق إرساء للعنصر الثاني، الذي يصبح بما هو متغير ومختلف ومشتت، عرضا مرجوعا إلى أساسه ومناطق إرسائه. والأحادية تتبدى من خلال هذه الأرضية الثابتة التي تشكلها مناطق الإرساء، إذ تعمل إجراءات الحصر الأنطولوجي على أخذ أحد الاحتمالات ضمن تدفق مفتوح من الاحتمالات المختلفة والمشتتة وتعطيه بعدا كونيا عن طريق التعميم، لتجعل منه ثابتا أو أصلا، أو منطلقا يجب البحث عنه خلف العوارض المختلفة، والأشكال المشتتة، والتمظهرات المتعددة. وبهذه العملية تضمن إجراءات الحصر الأنطولوجي امتلاء الكائن، وتنفي عنه كونه مجرد احتمال حدوث. لكن هذا الامتلاء يجب ألا يظهر فقط في كل كائن مفرد بمعزل عن باقي الكائنات الأخرى. لأنه بهذا سيضاعف التشتت والتعدد. وهنا تبدو المهمة التضافرية لكل هذه الإجراءات. فالهوية تعمل على إيجاد كيانات موحدة متطابقة مع ذاتها، محددة بذلك المسافة التعالقية التي يجب أن تفصل فيما بينها، حماية لهويتها من التهجين. هذه المسافة التي سيتدخل الإجراء العلائقي لملئـها لإبعاد التشتت والتعدد وتشكيل الكيان الأكبر المترابط الموحد الذي هو الـ -عالم. لكن عمل الإجراء العلائقي يتم هو الآخر على أساس مركزية التصادي التي تندرج ضمنها مجموعة من المفاهيم [ كالتطور، النمو، التأثير، الترابط…] والتي تفيد أن مناطق الإرساء تجد صداها عند بعضها البعض. وطبيعة التصادي هي التي تبرر تدخل الإجراء العلائقي لملئ المسافة التعالقية، وهو التدخل الذي يعمل على رسم حدود هذا التصادي وإضافاته الجديدة التي ستجد صداها هي الأخرى داخل كيانات أخرى. وأشكال هذا التصادي الذي يجمع مناطق الإرساء في وحدة وتماسك هو الذي تتحدد أبعاده من خلال المفاهيم المشار إليها.
لكن صيرورة هذا التصادي بهذا الشكل، قد تنفلت من التحديد، وتصبح غير محدودة. وبهذا سيكون من المهام الأساسية التي ينبغي أن تقوم بها إجراءات الحصر الأنطولوجي، إيجاد مرجع توجيهي، يعمل على الحد من تدفق عملية التصادي. وهذا المرجع هو ما يوفره إجراء العلية الذي يصبح بمقتضاه كل احتمال موكول في حدوثه إلى احتمال قبلي يجد فيه مقومات ومبررات تواجده. بهذا ستصبح عملية التصادي محدودة، مشروطة بمعقل أصلي مرجوع إليه في حركة انتقال عملية التصادي. بل إن التصادي مع هذا المعقل سيصير مجرد نقل الصدى الأصلي عبر الاحتمالات التي ستشكل صدى لبعضها البعض. وهذا النقل هو الذي يتجسد عبر الإجراء العلائقي الذي يصبح من جرائه كل احتمال حدوث منخرط في عملية تسليم الصدى الأصلي للاحتمال الذي يليه. وبهذا الشكل لن يكون التعدد والتشتت سوى استنساخ للوحدة الأصلية.
انطلاقا من مركزية التصادي تظهر مسلمة التطابق بين عوالم مختلفة من حيث مجراويتها [تموقعها داخل المجرى الأنطولوجي]، فتعتبر بعضها مناطق إرساء ستجد صداها في بعضها الآخر، لتختزل تعددية العوالم إلى مجرد تمظهرات متنوعة لعالم واحد، مشمولة بهذه الوحدة اللامتناهية لهذا الواحد الممتد في وحدته. وهكذا تحدد فرضية التطابق أشكال تقويم هذه العوالم حسب تمثيلها لصدى مناطق الإرساء. وذلك بدل النظر إلى مواقعية انتشار العوالم لا على أساس مركزية التصادي، بل على أساس تجاوزية هذه العوالم التي لا ترتبط ولا تتصادى أو تتعالق، بل تتدافع والهوة التي تغرقها في ندرة وصدفة واختلاف دائم مع نفسها ومع بعضها البعض.
هذا التهيئ الذي تقدمه مناطق الإرساء لعالم أحادي، في تكوينه الكلي المحتوي لكل "عناصره" [ وليس لاحتمالاته ] وأجزائه المنصهرة في هذه الكلية، والممثلة لها، يفتح أفقا موضوعيا متدفقا لكنه منحصر كذلك، من حيث كونه ليس أفقا موضوعيا بالنسبة لموضوعيته بما هي معقله الذاتي ومعقل تدفقه، بل أفقا موضوعيا بتعيين وحيازة حصرية لذلك الاكتساح الميتافيزيقي المفترض كجاهزية مكونة من نسيج قبليات، منبثقة من هذه العلامة الممنوحة وضعا استثنائيا التي هي: الـ-ذات. فهذه الجاهزية المستثمرة في قبلياتها كوحدة، وكلية، وهوية، تشكل جاهزية ذاتية المرجع [أي مرجع ذاتها] من ناحية، ومرجع ما تخضعه لقبلياتها، بما يترتب عن هذا الإخضاع من ثنائيات، في مقدمتها ازدواجية الذاتي/الموضوعي، الداخل/الخارج. فما يفترض كعالم بناء على هذه الجاهزية، هو بمثابة رصف منتظم وغني لمواضيع قابلة للتحديد والتعيين والحصر والضبط. أي أنه أفق موضوعي بقدر ما هو مجال صالح لانتعاش حيازة حصرية واختزالية له من قبل هذه الجاهزية وقبلياتها. والمعرفة –وفق هذا النزوع الميتافيزيقي- هي تلك الحيازة التي تكون من خلالها جاهزية الـ -ذات ليس كتوزيع مفتت ومشتت لجهويات لا مركز لها، مبعثرة، وغير محددة أو مضبوطة في مواقع تكونها وانبثاقها المفترض، وغير مجذوبة نحو بؤرة مشتركة هي بمثابة مبدأ تنسيقها وانسجامها القبلي، ووحدة تركيبها الأصلي. إنها تفترض نفسها كوحدة متمركزة، حيث يكون مركزها إما وعيا، أو عقلا، أو حدسا، أو إحساسا، أو شعورا… يضعها في تعال دائم عن التغير والسيلان والصدفة، حتى في حالة ولوجها تحقيق إمكانية تجريبية أو محايثتها.
وضمن إمكانية هذه الحيازة لما يتعين من قبل جاهزية الـ –ذات كأفق موضوعي لها، وتحويله إلى كيانات منضبطة لقبلياتها [مفهوم، معنى، صورة ذهنية، قانون، تمثل، ماهية، غاية، علاقة، عنصر، جوهر، بنية…]، يأخذ ادعاء الوضوح موقع انبثاق إمكانيته كذلك. فالتحول الذي يخول لما يتحدد كموضوع أن يعيد إنتاج نفسه في قبليات جاهزية الـ -ذات، حيث ينكشف في تجليه على هذا المستوى كمعنى، أو دلالة، أو صورة ذهنية، أو مفهوم أو فكرة… يضع الوضوح باعتباره إمكانية احتفاظ هذا الموضوع بنفسه خلال هذا النقل أو التحويل، بحيث ينتج عن هذا الاحتفاظ أن يجد نفسه ممثلا خارج موضوعيته بكل دقة أي يجد صدى هذه الموضوعية، في أفق حيازة جاهزية الـ-ذات له. وبهذا فإن إمكانية ادعاء الوضوح تندمج في احتمالية ما يسمح له بالتولد ضمن عمليتين ميتافيزيقيتين، منطويتين على تكريس تمركز جاهزية الـ -ذات، من جهة، وتشميلها من جهة ثانية، بما يفضي إليه هذا الـ -تشميل من اجتياح سلطوي للمشترك، المتماثل والموحد… هاتان العمليتان هما التذويت والتذاوت.
التذويت:
التذويت هو جعل جاهزية الـ –ذات نسيج قبليات، منحل في وحدته الخالصة والمحضة، والمنعكسة في ذاتها كتماثل غير متوسط، أي كأنا محايث لنفسه، جعلها مركز العالم، واعتبار هذا الأخير رهين بوجودها، وخصائصه نسخة لما تحدده حيازتها له، ولما تخضعه له قبلياتها من تصنيفات، وتقنينات، واعتبار منطقها منطقا كونيا يتمتع بوجود صميمي في ما تعينه كعالم، والذي يجب أن يخضع له. فجاهزية الـ-ذات تضع العالم كنسخة لحيازتها له، وهي بهذا تكون قد عملت على كوننة نفسها، أي إعطائها بعدا كونيا، ممتدا فيما وراء أي تناهي، أو حد…
والتذويت –كعملية ميتافيزيقية- يجعل المجرى المشهدي الذي فيه تأخذ كينونة العالم طابعا ظهوريا، يجعله مستنزفا ومستنفذا، من جهة تعدد ظهوريته وتبعثرها وطفرتها وانفلاتها من الضبط والتقنين والحصر. فهذه الظهورية تخضع لتحويل استعاري تكون نتيجته، امتصاص طفرتها ومحوها وانحلالها في حيازة تشكل قبلياتها سلبا ينفي ويلغي هذه الظهورية من حيث هي احتمالات حدوث طفرية مخترقة بفجوة الاختلاف، غير قابلة للتكرار، أو التثبيت، أو التقنين، والتي تكون في حدوثها خارج إمكانية التعيين أو التحديد. فأي تأليف أو تركيب ترنسندتالي يسعى إلى تأسيس وحدة تنوعها (أي وحدة ظهورية العالم) لا يكون –في ما يتمخض عنه- سوى إلغاء ونفيا لهذه الظهورية، التي تأخذ طريقها في التحقق، من خلال التموقع المجراوي للاحتمال الجسدي [ أي تموقعه داخل المجرى الأنطولوجي ]. وهذا الإلغاء والنفي والطمس يكون مجالا لانبثاق ذلك المنسوج على هيأة وحدة منسجمة مع قبليات جاهزية الـ –ذات الذي هو الموضوع، المنفتح أمام كل إمكانية لضبطه، وتجميده، وتعيينه، والمنطوي على هويته التي تضمن استمرار ثباته في معترك التغير الذي قد يعتريه بفعل ما تفرضه لحظات الزمن المتدفقة. وبهذا تتداوله جاهزية الـ -ذات كترسب من الدلالات التي بإمكانها إعادة تملكها. وهنا يكون ادعاء الوضوح مسوقا نحو البروز. إذ تكون إعادة التملك واضحة بحسب مدى استطاعتها الاحتفاظ بنفس مقومات الدلالات المترسبة في هذا الموضوع دون خلط أو تداخل أو فوضى. إن المسألة تعود ثانية إلى مناطق الإرساء وما يشكل صداها. وإمكانية الوضوح تتقاطع بإمكانية مناطق الإرساء هذه، وبهذا القائم هنا، الثابت، القابل لأن ينفتح كمشروع لإعادة الامتلاك من طرف قبليات جاهزية الـ-ذات، وأساسا بإمكانية هذه الجاهزية نفسها التي من خلالها تعتمل كل هذه الإمكانيات، وفيها تأخذ حيزا لها في الانتشار. فليس الموضوع سوى اشتقاقا من جاهزية الـ-ذات مددته قبلياتها لتعينه كخارج لتتجلى فيه، حيث يكون بمثابة تجسيد لحضورها النافذ، الذي لا يكون العالم متحققا أو ممكنا إلا وفقه. فالموضوع هو تلك الخارجية الطيعة، التي لا تكون إلا بحسب تجسيدها لقبلية من قبليات جاهزية الـ-ذات: [قانون، ماهية، علة، سبب، غاية، جوهر، عناصر، علاقات، شكل، مضمون، أصل، نتيجة، ظاهر، باطن، معنى، نظام، مادة، نوع، موضوع…] والتي بها، يمكن للموضوع أن يكون وأن يرتسم كمشروع للمعرفة. وبدونها فهو يضمحل ويختفي ويندثر. ولا يمكن بعثه إلا من خلال هذه القبليات التي تخلقه وتضعه كخارجية، تستخلص منها نفسها كما لو كانت ابتكارا جديدا وفريدا، وتمنحه وضوحه، أو تنفيه عنه.
إن التذويت يعطي لادعاء الوضوح فرصته في البروز، ويفتح له مجال إمكانيته. لكنه يضع هذه الفرصة وهذه الإمكانية مشروطة بجاهزية الـ –ذات، كنسيج قبليات، وكمتركز ذاتي منطوٍ على لحمته الجوهرية التي تضمن وحدته ووحدة عالم يتولد من خلال حيازة قبلياتها له كموضوعات يمكن تداولها ككليات نسبية في انفلات إمكانية إعادة امتلاكها كترسب من الدلالات التي تستوعب وحدتها وماهيتها. إن جاهزية الـ-ذات تصبح هي الموقع الضمني لوحدة عالم يستحيل عليه بدونها، أن يكون إطلاقا. وبما هي كذلك فهي ترتسم كشرط أولي يسمح بانتظام كل الموضوعات، بشكل تتحدد فيه أنماط تداخلها وتمايزها. كما تنتصب كأفق تأخذ فيه هذه الموضوعات تجليها المجرد الذي بواسطة هذه الجاهزية نفسها يمكن أن يكون متميزا، وجليا، وكافيا، أو غير كل ذلك… لكن الحسم في هذا دائما يعود إلى جاهزية الذات التي تضمن نفسها المعيار الخفي الذي يمكنها من تحديد التميز والجلاء والكفاية لكي لا تكون مجرد كلمات وإنما شروطا إبيستيمولوجية قبلية، لكن ذات عمق أنطولوجي صامت، تتحدد بموجبها كفاءة التجلي المجرد/المثالي للموضوعات وقيمته.
جاهزية الـ -ذات- كنسيج قبليات هي الافتراض الضمني لادعاء الوضوح، الذي يضعه له التذويت لكي يمنحه فرصة أخذ موقعه كإمكانية. فهذه الموضوعات لا يمكن أن تكون واضحة أو غير واضحة إلا بالنسبة لجاهزية الـ-ذات. لكن هذه الجاهزية وإن كانت افتراضا ضمنيا يتيح إمكانية الوضوح، فإنه افتراض لا يحدد إلا حيز إمكانيته كادعاء غفل، مجهول غير مستوعب لذاته، ولماهيته، فهي لا تسمح بتحديد ما الوضوح؟ وكيف يمكن أن يكون كذلك؟ وما ضرورته؟ إنها لا تستطيع أن تسد ثغرة الفقدان الجذري للمدلول الذي يخلف فراغا يسكنها ويغمر الكلمات بغياب يجعلها مجذوبة دائما نحو المستحيل. حيث تتدحرج كدوال تتوسط بعضها لاستحضار الأثر الموهوم لهذا الفقدان. فجاهزية الـ-ذات فراغ مسطح، يقدم كعمق ممتلئ، كجوانية مجهزة بقبلياتها التي تمكنها من إخصاب العالم بالمعنى. وبما هي كذلك فهي لا تستطيع أن تفتح للوضوح [وحلفائه: التميز والجلاء] أفقا يكف فيه عن أن يكون مجرد دال يطفو فوق فراغ غير محدود يشكل الانطواء الفعلي للغة وبؤرة تفجيرها وتشتتها…
التذاوت:
التذاوت هو خلق أفق بين –ذاتي تتداخل فيه "الذوات" [ المفترضة كجاهزيات]، لتؤسس المشترك بينها الذي يلغي كل تشتت أو تعدد مكاني أو زماني. إنه الحيز المكتسح بجاهزية الجاهزيات: الـ -نحن، المنفسح بدون حدود، ومعقل الاستعادة الدائمة لهوية جماعية، من خلالها تنبثق إمكانية يقين عمومي يمكنه الحسم في كل نسبية من شأنها أن تشكك في الوحدة الموضوعية للعالم. فالتذاوت يجعل جاهزية الـ-ذات، عند ترهينها وتحيين حيازتها للعالم زمانيا ومكانيا، مدمجة في كثلة المشترك/الـ-نحن التي لا تكون في تشكلها مجرد تجميع كمي لجاهزيات الذوات، بل كلية، مكتملة، مشمولة بذاتها، ومماثلة لها، متضمنة لماهية عمومية، تجعل منها ذاتا جمعية، تكون الذوات –التي يفترضها التذويت كجاهزية- امتدادا لها أو اشتقاقا منها أو استنساخا لهذه الكلية. وبالتالي فإن هذا المشترك/الـ-نحن يصبح بمثابة حيز تماثلها [تمثل هذه الذوات] وتطابق عوالمها، وانسجام أفقها الإدراكي، وتماثل حيازة قبلياتها لما تحدده كعالم، وهو التطابق والتماثل والانسجام الذي يجعلها أمام عالم واحد، مشترك بينها، مسترجع في هويته الأحادية التي تتكرر باستمرار بدون أن تنزاح عن نفسها، ليكون هو نفسه بالنسبة لكل جاهزية ويتولد كموضوعات قابلة للتقويم المشترك، وللتداول العمومي.
إن الـ-المشرك/الـ-نحن يصبح بمثابة التأسيس القبلي لكل تطابق واتفاق وتفاهم بين جاهزيات الذوات. التي لن تكون في حدودها الأولى والقصوى سوى فناءا وحلولا في هذا الـ-نحن، وفي نفس الوقت تجليا لهذا الفناء. فإذا كان التذويت يضع الـ-ذات كجاهزية محايثة لنفسها ولوحدتها، فإن التذاوت يضع الـ-نحن كجاهزية الجاهزيات، كمعقل كلي لانحدار جاهزية الـ-ذات، بنسيج قبلياتها، التي بفعل هذا الانحدار تأخذ طابعها الشمولي كقبليات كلية الحضور لدى كل الذوات. ومن ثمة ينفتح الأفق الكوني لجاهزية الـ-ذات. إنها نقطة استناد مشتركة، التي يعمل التذاوت على خلقها، والتي تصبح المرتكز الصلب الذي عليه تتأسس كل الادعاءات ذات البعد التذاوتي كالتواصل، والتفاهم، والاتفاق واللغة المشتركة…
وادعاء الوضوح يجد كذلك في التذاوت، ما يجعله يتوفر على نقطة استناده، التي تمنحه وحدته وشموليته ليكون وضوحا ليس بالنسبة لجاهزية ذات فقط، وإنما بالنسبة للـ-نحن الذي تذوب فيه كل الانشقاقات والاختلافات، ويحل التماثل القبلي بين جاهزيات الذوات. حيث يكون تماثل حيازة قبلياتها لما تحدده كعالم مؤشرا على وحدته الموضوعية التي تغمر تدفقه كموضوعات تكون هي نفسها إزاء كل جاهزية ذات. ومن جراء هذا التماثل المضاعف: تماثل جاهزيات الذوات، وتماثل حيازة قبلياتها للعالم، فإن الوضوح يكتسب إمكانية تجاوز حدوده التذويتية، ليأخذ أساسه المشترك الذي يضمه ويضمنه الـ-نحن، بحيث يصبح ليس وضوحا بالنسبة لذات معينة قد يكون غير ذلك بالنسبة لأخرى، وإنما وضوحا عاما، مشتركا، يكون معياره الموضوعي هو الـ-نحن، جاهزية الجاهزيات الذي يمكنه من الحسم المطلق في مدى وضوح موضوع ما أو عدم وضوحه(). ليس وضوحه النسبي من ذات لأخرى، والذي من شأنه أن يتغير ويختلف. وإنما وضوحه المطلق الذي يكون كذلك بالنسبة للـ-جميع، هذا الفراغ الذي لا يحتوي على أي موقع لكنه يضع فراغه ممثلا لكل المواقع. وبهذا فإن الوضوح يتجاوز طابعه الذاتي، ليكتسب طابعا موضوعيا، لا يتأثر بكثرة الذوات لأنها كلها مندمجة في جاهزية واحدة هي الـ-نحن، معقل تجانسها الدائم الذي يتحول إلى تشميل لا محدود، تنتج عنه ادعاءات تشميلية من حجم: الـ-حقيقة الكلية، الـ-لغة الجماعية بدلالتها المشتركة، الـ-وضوح الكلي من حيث هو جلاء تام يمثل أمام الذهن [الذهن الكلي الحضور، الكوني الإمكانيات]… إنه تشميل ينطوي على وحدة مطلقة: وحدة معيار الوضوح، وحدة شروطه، ووحدة ماهيته، وهي الوحدة التي من شأنها أن تجعل من الوضوح مفهوما مضمونا يمكن تداوله معرفيا، أو دمجه ضمن جهاز مفاهيمي كمفهوم يحظى بالإجماع، ومؤسس على ثوابت لا يمكن زحزحتها، ويمكن أن يستعمل بدون أدنى تحفظ أو تشكيك في تخصيص بعض الاحتمالات أو تصنيفها، أو تقويمها. إن الـ-نحن، هذا الإفراز التذاوتي، يكون هو الأساس المطلق، والمعيار المطلق، والضامن المطلق، لوضوح بينذاتي، عام، متماثل، مشترك، وقابل كذلك للتقويم المشترك…
يتقاطع ادعاء الوضوح بادعاء التواصل الذي هو ادعاء تذاوتي. وكل ذلك من خلال هذا الفراغ الموحِّد: الـ-نحن. حيث تصبح احتمالات اللغة قابلة لأن تكون واضحة أو غير واضحة، وذلك عبر أدائها لدورها التواصلي، كما لو كانت اللغة محملة بما يمكن إيصاله، وكما لو كانت لها قابلية للتوصيل، وكما لو كان هناك ما يمكن التواصل في شأنه. فهذا الاجتياح التذاوتي للغة، يجعلها سواء في علاماتها المنسابة أو تركيباتها (جمل، عبارات، نصوص…)، ذات مضمون تكتسبه من خلال تقاطعها بوقائع، أو موضوعات، أو أشياء، أو تمثلات، أو تصورات، أو مفاهيم، أو أفكار…، كما لو كان لها عمق منطوي على تواطئ قبلي يملأه حضور تام، ملتف حول نفسه ومحافظ عليها أثناء عملية النقل التي تقوم بها الدوال من موقع الإرسال إلى موقع الاستقبال. وبالشكل الذي تكون فيه هذه الدوال شاهدة على هذا الحضور وعلى التواطؤ القبلي المنطوي عليه. وهذه الاستعادة لهذا الحضور من قبل الدال، هي التي تكون موضوع الوضوح بالنسبة للغة. حيث إن نمط الاستعادة، هذا، يكون مشمولا بحضور مضاعف: حضور الدال المنحل في ماديته كاستحضار، لحضور آخر يملأ عمقه المنتشر بشكل كلي على امتداد مواقع الإرسال والاستقبال مهما توزعت، بحيث يكفي استثارة الدال لتحفيز هذا الحضور [الشكل كمدلول أو معنى أو دلالة…] على الانبعاث داخل موقع ما من هذه المواقع سواء كان مرسلا أم متلقيا. إنه تماثل وتطابق هذه المواقع الذي يسمح بهذا الامتداد الكلي لحضور المدلول، أو