ص1      الفهرس    المحور 

من فكر الاختلاف إلى فكر المؤالفة

فصول في حرية الفكر والحق في الاختلاف

محمد بلال أشمل

في الحاجة إلى تقويم عادات التفكير:

في وسع الشاهد على الحياة العقلية، في السنين الأخيرة، تقديم تفسير افتراضي لما يمكن أن تكون عليه أوضاعها؛ فالناس لدينا حين يفكرون، يسكتون عن الحق خشية قهر سلطة باغ، أو لنزوع في أنفسهم إلى عدم الصدع بالحق في وجه الباطل فإذا هم مداهنون أو منعزلون… ثم إذا هم شعروا، وقعوا في الهوى وسولت لهم أنفسهم بئس الأمور والإعدادات فإذا هم غافلون عما ينبغي أن تكون عليه أوضاع الوقت فينشأ التعصب ويستقوي بأوليائه من الذين لا يفكرون ومن ثم تولد اللامبالاة ويزداد الأمر نكرا…

وفي جميع الأحوال، يمنع الواحد منهم الآخر من المشاركة في إبداع الحقيقة وخلق الحق، ويحجزون على حرية الفكر، ويصرفون الناس عن حسن الأعمال والغايات.

وأحسب الناس في أمس الحاجة إلى من يقوم لهم عاداتهم في التفكير إن خرجت عن مستقر الوقت والحاجة، ويزن لهم تفكيرهم بميزان متجدد، إن بلي الميزان، وشق عليه وزن كفايتهم وفائضهم، ويوثق ثمار تفكيرهم بما ينفعهم من مواثيق وعهود حتى يصبح التفكير مرتبطا بالتحرير، منفصلا عن التكفير.!

وعسى في هذه الفصول في حرية الفكر والحق في الاختلاف ما يقترب من أن يكون تلك الحاجة، أو يطمع في أن يكون دليلا إليها…

ولو ظفر الواقف عليها بما يفيد تحقيقها، لكان ذلك من فضل ربي وفيض قلبي. قيد الله لي بها أن أكون من الفتية الذين آمنوا بالقضية العربية الإسلامية في مختلف تجلياتها.

فصل في حرية الاختلاف

أحرية الفكر بإطلاق؟

أحرية الفكر بإطلاق؟… يخيل إلي أن هذا التساؤل انطلق أمام "سبينوزا" صاخبا هادرا ذات يوم هولاندي مشهود، فذكر أن "حرية الفكر والتعبير مكفولة لكل فرد في الدولة الحرة".

ثم إذا بي أراه يتابع في نوع من الاستدراك المتوتر ما نصه: "إذا كان من المستحيل سلب الرعايا حريتهم في التعبير كلية، فإن من الخطورة التسليم لهم بها كلية"(1).

وبالفعل، إن هذا التساؤل ينطوي على قدر كبير من التوتر؛ هو بلا ريب، ما يشكل مصدر استمراريته الزمانية لا سيما في ظل الدولة التي ليست على شرط الباروخ.

من جانبنا، نشارك في هذه الاستمرارية الزمانية، ونقتطع منها فصولا نسعى فيها إلى تسطير بعض أوجه الإجابة على هذا التساؤل، أو ما يبدو أنه كذلك…!

حرية الفكر لا تعني طعن مشاعر الآخرين:

ينفي المرحوم علال الفاسي أن تكون حرية الفكر حقا طبيعيا بل حق ضروري. وإنما نفى علال ذلك لكي لا تحد تلك الحرية بما تحد به الحقوق الطبيعية(2).

لكن ما القول في نوع من حرية الفكر يذهب مذهب الطعن في مشاعر الآخرين الدينية أو القومية أو الوطنية، وإذا ما تم تنبيهه إلى ذلك تذرع بحرية الفكر وانزوى في ركن قصي يرمي من نبه عليه بالتحجير والتسلط واستعباد الفكر…

لأجل ذلك، لا تعني حرية الفكر طعن مشاعر الآخرين؛ فالفكر هنا يخرج من التفكير إلى التحقير، والتحقير ما كان قط شعبة من التفكير، فإنه مضغة ساخنة من الشعور إذا ما هاجت العاطفة، واختلطت عناصرها…

فهل من سبيل إلى حد حرية الفكر هاهنا بما تحد به الحقوق الطبيعية والحال كما نرى؟

أتعني حرية الفكر الإتيان بالباطل؟

ومثلما لا تعني حرية الفكر طعن مشاعر الآخرين، لا تعني أيضا الإتيان بالباطل. لنتفق أولا على المقصود بـ"الباطل".

عند المتداول العام، يقع الباطل في مقابل الحق، وبينهما المشتبه على ما قسم إسحاق بن وهب في نقد النثر مثلا(3).

ونحن نفهم الحق مثلما نفهم الباطل، عندما يكون محمولا على الواقعة التاريخية التي حدثت في وقت معلوم، ووصلتنا بتواتر موصول، أو محمولا على المبدأ المشهور الذي يحتكم إليه، أو محمولا على القاعدة المعمول بها والمجمع عليها.

ودعك من تأويل الواقعة، وفهم المبدأ، وتفسير القاعدة؛ فهذه مجالها الاحتمالات، وأروع ما يعبر فيها الفكر عن حريته في التأويل والفهم والتفسير. الأمر غير ذلك، بل في إيراد الواقعة، وذكر المبدأ، وتسمية القاعدة، كل بلحمتها وسداها. فلو وردت الواقعة ومعها المبدأ والقاعدة، كما هي في سجلات التاريخ ودواوين المعرفة، فنحن في حضرة الحق أما إذا لا فنحن في حضرة الباطل. هكذا نفهم الحق ومعه الباطل، أنت على حق إذا أوردت الواقعة بعينها، على باطل إذا أوردتها على غير ذلك، وأنت على حق إذا ذكرت المبدأ بجسده، على باطل إذا ذكرته متأولا، وأنت على حق إذا استظهرت القاعدة بمتنها على باطل إذا غيرت المتن.

صفوة القول إن الحق مرتبط هاهنا بالصدق، ومن ثم ليس من حرية الفكر أن يكذب شخص على الآخرين في أمور معلومة ومفهومة ومقررة(4).

الباطل الأدبي:

قد يأتي أحدهم بباطل ما يخالف معهود الواقعة، ومعروف المبدأ، ومشهور القاعدة، فنقول عنه إنه لم يكن محقا فأخطأ وكان على باطل.

أما ماعدا ذلك، كأن يتلو "سلمان رشدي" آياته الشيطانية، فإنا نقول عنه إنه لم يكن على حق حين مس مشاعر المسلمين، فأخطأ سبيل مؤالفتهم، وكان على باطل في صنيعه، وبذلك نخرجه من حرية الفكر على هذا الشرط: فالباطل الذي أتاه مضاعف الأنحاء حين مس مشاعر المسلمين وحين استعداهم عليه.

على أن الباطل الذي أتاه "باطل أدبي"، ومن ثم إن أفضل السبل لدحضه النقد الأدبي، لا الحق الشرعي لأنه إلى مجال الأدب أقرب منه إلى مجال العقيدة، والحكم عليه -إذا كان ولا بد منه- يكون من اختصاص الذوق الفني لا المعتقد الديني.

التكفير والتبديع:

وأحسب مواتيا القول هاهنا: إن من يتسارع إلى تكفير خصمه ينم عن فساد في الرأي كبير. وقد كان حجة الإسلام الغزالي أورد هذا في كتابه فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة وأشار إليه في "المنقذ من الضلال" لما قال إنه ذكر في الفيصل ما يتبين به فساد رأي من يتسارع إلى التفكير في كل من يخالف مذهبه(5).

ولعمري كان القدامى أكثر تسامحا منا في شؤون العقيدة، فما بالك في شؤون الأدب. ولم يكونوا أمثالنا يرفعون سيف التكفير على كل من يخالف رأيهم ويمنعوه من رحمة الله إلا قليلا. وحتى إذا كان ولا بد واقتضى الأمر حكما في مسألة في الكفر الصراح بادروا إلى "التبديع" وهو أخف، على أية حال، من التكفير كما كان حال صاحب تهافت الفلاسفة حينما كفر أصحاب البرهان في ثلاث مسائل في الإلاهيات التي كثرت فيها أغاليطهم، فيما بدعهم في الباقي ولم ينكر عليهم في أخرى متعلقة بالطبيعيات(6).

وهؤلاء بعض المتكلمين، على قدر استماتتهم في الدفاع عن العقيدة الإسلامية غيرة عليها، ومحبة فيها، لا يخرجون الخصم من الملة وإن خطؤوه(7).

فماذا يقع، ونحن على مشارف قرن جديد، إذا ما جربنا التفكير فيما يقوله الخصم ومحاورته ومناظرته بدل تكفيره أو تبديعه أو تخوينه.. مما ابتلينا به من آفاق خطيرة؟

أكيد أن لا شيء سيقع سوى الخير؛ فعلى الأقل ستتهيأ الأسباب للناس لكي يعرف الواحد منهم الآخر ويدرك أن غرضه البحث عن الحقيقة والذود عن الوطن والتآخي في الدين. وكلها مثالات لا نحسب أن أهل الفكر والمناظرة إلا قاصديها إذ هي جوهر عملهم ومطلب سعيهم.

الفكر يرتبط بالمثال والجدوى:

فالفكر يرتبط بالمثال ارتباطا وثيقا حينما يكون المثال ماضيا إلى تحقيق سرارة الحق، ومحض الخير إن بمعناه الاجتماعي أو السياسي أو الديني.

ولئن نحن فحصنا جوهر المثال، لوجدنا أن الجدوى في أصله كينونة ملازمة تنبذ كل عبثية وعدمية ممكنة أو متحققة. لذلك نستصعب أن تقوم للفكر قائمة في غياب المثال والجدوى إذا ما أحببنا النظر بوساطتها إلى مثيل الأفكار التي يتنادى بها بعض الناس وهي بغير معانيهما.

وحتى لا يفهم عنا غير ما نقصد، نقول إن المثال الذي نرمي إلى تحقيقه ونراه ممكن الغياب في تلك الأفكار، يتمثل في ذلك المشروع الاجتماعي الإنساني المأمول الذي نختار تسميته بمشروع "المؤالفة" انسجاما مع طبع "المؤانسة" المتجذر في أصحابه المحققين له بشرط الانتماء إلى الفصيلة البشرية، واقتضاء "المشاركة" المحققين له بشرط الحاجة الاجتماعية.

وعليه يتعارض أحيانا القول بحرية الفكر مع نمط من الفكر الماضي إلى الخروج على هذين الشرطين، ونقصد بهما شرط المؤالفة وشرط المشاركة.

حرية الفكر أم الاتفاق على مشروع الحياة؟

فما هو الإجراء الواجب في حق فكر من هذا القبيل؟

في نظرنا هناك إجراءان:

الإجراء الأول، المضي إلى توجيه حرية الفكر. لكن لا يفهمن هاهنا من ذلك تقييد حرية الفكر ومنعه من كل إبداع وخلق؛ فنحن دعاة حرية الفكر، المسألة وما فيها، هو توجيه هذا الفكر حتى يخدم ما قدمناه من شرط المؤالفة وشرط المشاركة إذ ينبغي أن يكون هذا الفكر على بينة من وضعه في سياق الائتلاف لا الاختلاف وعلى إدراك تام لوضعه كمشارك في بناء المدينة العقلية أو النبوية لا هادم لها.

الإجراء الثاني، الذهاب رأسا إلى الاتفاق على مشروع الحياة بغض النظر عن المداخل النظرية؛ وهذا الإجراء سبق أن بلورته حركة "لاهوت التحرير" في أمريكا اللاتينية وما زالت تضع له الأسس والركائز حركة التبشير الجديدة باعتبارها اختيار المهمشين(8).

إن هذا الإجراء، في كليته الأولى والثانية، لكفيل بأن يضع حدا لذلك الإشكال الذي يحتدم التوتر فيه بين حقوق الإنسان وبين حرية الفكر.

حرية الفكر وحقوق الإنسان:

لا نقصد من هذا السؤال الإشكالي وضعه المعهود؛ الذي مفاده أن حرية الفكر جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وإنما المقصود هو أن حقوق الإنسان ينبغي أن لا تتعارض مع حرية الفكر حين يمارسها إنسان آخر بحيث تترتب عنها مضار معنوية أو مادية لإنسان مغاير.

وبعبارة أخرى، إن من حقوق الإنسان على إنسان آخر أن لا يسخر هذا الأخير حريته لكي ينال من حقوق أخيه الإنسان متمثلة في مشاعره الدينية أو القومية أو الوطنية أو ما شابه ذلك.

إن ترك المجال المذكور على توتره الإشكالي دون حل جذري لطرفيه في علاقتهما يجعل حرية الفكر، كما حقوق الإنسان، محفوفة بمخاطر عدة إن لم تتداركهما، ضاعت حقوق الإنسان جميعا، وانقلبت حرية الفكر إلى "حرية" للفكر لا يأتي منها إلا البلاء والفتنة لأنها تبذر بذور الشقاق فيما هي أصلا موضوعة للوفاق، وتشيع ألوية الانفصال فيما هي طبعا معمولة للاتصال، وحيث كنا نأمل أن تصبح حرية الفكر دعامة أساسية لحقوق الإنسان، ستصبح معولا لتقويضها وجعلها برسم الغصب والتعدية.

ضبط حرية الفكر داخل مجال تداولي خاص:

ونتصور تدارك مخاطر حرية الفكر وحقوق الإنسان بضبط حرية الفكر في مجال تداولي خاص إذا كان ولا بد من فهم الحرية بمعناها المطلق.

لقد كان القدامى أكثر ذكاء وبرغماتية منا نحن أبناء القرن العشرين ؛ فهذا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي يجعل الحق الذي لا "مجمجة فيه" ولا "مراقبة عليه" مبثوثا في كتبه "المضمون بها على غير أهلها"، وأخذ العهد على قارئها ألا يقدمها إلا لمن استجمع شروطا ثلاثة: إحداها الاستقلال في العلوم الظاهرة ونيل رتبة الإمامة فيها، والثانية انخلاع القلب عن الدنيا بالكلية بعد محو الأخلاق الذميمة حتى لا يبق فيه تعطش إلا إلى الحق ولا اهتمام إلا به ولا شغل إلا فيه ولا تعريج إلا عليه، والثالثة أن يكون قد أتيح له السعادة في أصل الفطرة بقريحة صافية وفطنة بليغة لا تكل عن درك غوامض العلوم(9).

أما أبو الوليد ابن رشد، فقد نهى عن إفشاء أسرار التأويل إلا لمن كان من أهله، ومن صنع غير ذلك، فقد دعا الناس إلى الكفر، والداعي إلى الكفر كافر. ولهذا "يجب أن لا تثبت التأويلات إلا في كتب البراهين لأنها إذا كان في كتب البراهين لم يصل إليها إلا من هو من أهل البرهان(10).

وهكذا نرى أن القدامى من مفكرينا كانوا يمنعون ثمار العلم عن غير أهله؛ لا تعاليا عليهم، ولا احتقارا لهم إلا مع بعض الاستثناء(11) ولكن رحمة بهم ولطفا وتفاديا لمسعى أهل الفساد من إشعال نار الفتنة بين الناس، وهم بعد ذلك قد يبثون الدعوة إلى ما يصلح النفوس والأبدان من العمل الصالح المحض للناس. ولا أدل على ذلك من تلك الفئة من المتكلمين التي جعلت "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أحد أصولها الخمسة عقائديا واجتماعيا وسياسيا(12).

فصل في آداب الحوار

قد يكون ما عددناه إجابة على تساؤلنا الزمني "أحرية الفكر بإطلاق؟" غير مستوف لشروط النظر البرهاني. ولا بأس من ذلك، ما دمنا ندرك طبيعة المجال الذي نتحرك فيه، المجال الذي لا يستدعي آليات البرهنة إلا تكملة لآليات "الأيمنة" التي تقوم عليها مقتضيات القضية.

لكن ما هي الشروط التي ينبغي حضورها لتتم للفكر حريته في التفكير، ومن ثم حيازته على موقع إلى جانب فكر آخر هو له أيضا حريته، ومن ثم حقه أن يفكر بحرية؟

على سبيل الإجمال، آداب الحوار هي أم الشروط التي ينبغي أن تكون حاضرة هنالك. وفيما يلي التفصيلات.

التفكير شخصي، الحوار اجتماعي:

الفكر، بمعنى من المعاني، شخصي الطابع، بل إنه -وهذا ما لاحظه "أورتيغا إي غاسيت" في إحدى المرات- ينطوي على أشياء مدهشة مثل قدرة الإنسان أن يعود إلى دواخله منفلتا من العالم بكيفية مؤقتة وينحشر في ذاته(13).

بيد أن الفكر لما يغادر دهاليز الذات، ويبرح كواليس النفس، يمضي إلى التخلص من طابعه الشخصي، ويكتسب، من ثم، طابعه الاجتماعي.

وإن اللحظة التي يحدث فيها ذلك، هي لحظة الحوار؛ كأنما هذه العملية تبادل ثنائي للمواقع، وتغيير ازدواجي للحيز، ولست أرى الآن إلا أن أسمي هذه العملية حوارا، وأضيف إليها أنها تقع بالحقيقة لا بالمجاز في انتظار استكمال عناصر تصورنا الذري عنها.

إن الفكر، وهو يخرج من ذاته، ويبرح مكانه آن الحوار، لا يتخلص، على الرغم من ذلك من تعاليه، فالتعالي هي الصفة الملازمة للفكر رغم خروجه من ذاته ومبارحتها.

والشيء الغريب، أن الفكر برغم تعاليه هذا، إلا أنه "يتحايث" في الآخر ومعه. وهذا التعالي لا يتحقق إلا بالقدر الذي يحمل الفكر تصورات مثالية من الواقع، بالقدر الذي لا تحقق فيه المحايثة إلا بعدد المرات التي يخرج فيها من الأنا إلى ملاقاة الآخر.

إليها عنا الآن أشكال الملاقاة، وطبائعها،. إن ما يهمنا الآن هو أن حدث الخروج والملاقاة حادث فعلا وهو محقق كما أوضحنا تعاليه ومحايثته في آن.

نحو كوجيطو جديد:

فلو عنينا الآن بمشروعية ملاقاة الفكر لفكر آخر، لوجدنا الفائض في ذلك عن الحاجة. انظر إلى "ديكارت" يوم كان يؤسس للوعي الأوروبي ماذا صنع؟ وضع الكوجيطو الشهير" أنا أفكر إذن أنا موجود"(14) فلسف به المركزية الأوروبية في تعاليها عن باقي الشعوب، وانفرادها بالزعامة عليهم.

ما ينبغي إضافته إلى الكوجيطو المذكور، إذا كان لا بد للباحث الوطني أن يفعل، فهو التأكيد على أني إذا كنت أفكر، ومن ثم أوجد، فهناك أيضا شخص آخر يوجد ويفكر وأتحاور معه، وأوجد إلى جانبه.

لا يكفي أن أفكر، ثم أوجد، علي أن أعترف للآخر بأنه يفكر، ويوجد وأتحاور معه وأوجد إلى جانبه. مثل هذا "الفكرولوم" هو ما ينبغي أن تبلوره حركة الوعي في العالم العربي والإسلامي على هدي ضرورات الواقع الفكري والاجتماعي والسياسي والحضاري. ليس لها أن تعترف بـ"الأنا" فحسب، إن لها أن تعترف لـ"الآخر" أيضا بوجوده وتسمح بإمكانية التحاور معه، والوجود إلى جانبه، وإلا سيكون مثلها كمثل الأطروحة المثالية ناكرة على العالم الخارجي وجوده، ولاغية لكينونته(15). عليها أن تعترف أنه إلى جانب الفكر والوجود، هناك الحوار والوجود مع… وحيثما كان الأنا، كان الآخر، وحيثما الوجود لها، هناك الوجود للآخر والحوار معه، والوجود إلى جانبه.

الوجود في موقف:

هذا الخروج الذي تحققه الأنا في وجودها إلى جانب الآخر، محاورة إياه، معترفة بوجوده، يلتئم في هيئة واحدة هي الوجود في موقف؛ بحيث تشترك الذات مع الآخر في إنتاج "المبدأ" وتقعيد "السلوك" وتحقيق "الغاية"، وكلها ركائز أساسية للوجود في موقف, نحسبها ضرورية لكي يأخذ الحوار كامل شرعيته ومنتهى غايته.

وإن المرء ليبحث عن قيمة الحوار فلا يراه إلا طلبا للحق ومحقا للباطل. ثم إذا مضى بهذا الحق وصرفه أفعالا وأغراضا ومقاصد استجابة للبراديغم الأساسي في الفكر الإسلامي؛ ونقصد به اقتران العلم بالعمل، لوقف على غنى ذلك وثرائه. وعلى ضوء ذلك، لا يصبح الحق حائزا على كماله النهائي إلا إذا تحلى بكماله الأول؛ وهو جعل الحق وسيلة لهداية الأمة، وميزانا للعدل في شؤونها. استمع إلى قوله تعالى:" وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" (الأعراف،181) ترى أن اقتران العلم بالحق لا ينفصل عن اقتران العمل به هداية وعدلا، وكذلك الأمر في سائر التراث الإسلامي اعتبارا لأهمية تصريف العلم إلى شأن عملي فيه نفع للناس ومصلحة. لكن ماذا يقع لو لم ينضبط الحوار، باعتباره وجودا في موقف، إلى طلب الحق ومحق الباطل؟

الحوار والمثال:

في الواقع، يصعب تصور إجابة حقيقية وحاسمة للسؤال المثار. ومع ذلك، يمكن صياغة فرضية احتمالية في هذا المقام. وقبل ذلك، ليس يعني أن طلب الباطل، ومحق الحق، ليس مما لا يحفل به تراثنا، فتحليل أولي لأنماط الخطاب في الثقافة العربية الإسلامية يمدنا بكثير من الحقائق(16).

أقول، ماذا يحدث إذا لم ينضبط الحوار لطلب الحق، ومحق الباطل؟

أول الأشياء الحادثة هاهنا اغتيال المثال؛ وحياة بدون مثال، حياة مستحيلة؛ على الأقل الحياة الإنسانية. وبعبارة أخرى، إن المثال عنصر مكون للحياة. ونحن إذا كنا نربط حياتنا بمثال ما، ونترجمه في طموح ما إلى تأسيس المدينة المغربية -مثلا- أيا كانت صفاتها وذاتها، فلا يعقل أن يكون مسعانا إليها خاليا من "المثال"؛ فالمدينة في نهاية المطاف تحقيق للمثال وتتويج له.

وإذا كان مثالنا هذا له أسماء من قبيل الديموقراطية أو التقدم أو الحرية أو المساواة.. إلى غير ذلك، فسيصعب علينا نيل الحق منها وطلب الحق فيها في غياب المثال الذي يشكل جوهر حياتنا؛ نحن الذين ما زلنا نعيش معاناة غياب الديموقراطية، ونقاسي أوضاع التخلف، ونتوق إلى الحرية، ونحلم بالمساواة.. فأغلب الظن أن بليتنا ستزداد تفاقما، وآفتنا ستكبر غولا، ومصابنا جلل في كلها.. فماذا يراد لحوارنا، حتى لا يتخلى عن مثاله؟

ماذا يقتضي منا المثال حتى يتجلى في حوارنا ويصبح، من ثم، قائما لما هو كائن لأجله: طلب الحق فيه، ومحق الباطل عنه، وتحقيق المثال معه؟

لعل ما يراد لحوارنا آداب يتقوم بها، وحدود يقف عندها، ومثل يتغياها..

تلبيس الحق بالباطل:

في ثقافتنا، مصنفات كثيرة تحمل أسماء وعناوين مثل "الرد على النصارى" و"فضح الباطنية" و"تهافت الفلاسفة" و"تهافت التهافت" و"تلبيس إبليس"… وهي، وإن كانت سجالية الطابع بما توحيه كلمات الرد والفضح والتهافت والتلبيس من معاني خاصة تبدأ بالطعن والضرب وتنتهي بالقتل والصلب، إلا أنها، مع ذلك، تنطوي على "آداب للحوار" كثيرة؛ يمكن أن تكون هاديتنا في سبيل تأسيس ثقافة بديلة للحوار في مجتمعنا.

لنأخذ مثالا من القرن السادس الهجري، ويتعلق الأمر بالإمام الحافظ ابن الجوزي البغدادي المتوفى عام 597 هـ صاحب "تلبيس إبليس"(17). ابتدأه بخطبة الكتاب، ثم حديث عن اختلاف العقائد، وتشعب الأهواء، ثم التحذير من مكائد إبليس، ثم ذكر سبب وضع الكتاب، فحقيقة الديانة الإسلامية ثم تقسيم الكتاب إلى ثلاثة عشرة بابا خصص منه الأبواب الأربعة الأولى للأمر بلزوم السنة والجماعة وذم البدع والمبتدعين، والتحذير من فتن إبليس ومكائده وما ورد في ذلك، ثم معنى التلبيس والغرور. على أن الأبواب الباقية في ذكر تلبيس إبليس على الناس في العقائد والديانات والمأكولات والمشروبات والملبوسات والمعاملات مع إفراده لبعض الفصول للحديث عن أخبار الصوفية والفلاسفة والوعاظ والعلماء.

والكتاب في أساسه يقوم على فكرة مركزية هي أن الحق بين واضح، وعليه أهل السنة والجماعة، ولكن الباطل أوضح وعليه المبتدعة والمارقون. غير أن وضوح هذا الباطل ليس بذاته، وإنما بشيء آخر هو الحق؛ أي أن الباطل يلبس لبوس الحق، وإنما ذلك من تلبيس إبليس وصنيعه. لذلك نرى صاحب الكتاب يأمر بلزوم السنة والجماعة، ويذم البدع والمبتدعين ويحذر من فتن إبليس ومكايده.

ولعل الدرس المستفاد من الكتاب المذكور وقبيله، جملة الإشارات والتنبيهات التي ينطوي عليها فيما يتصل بآداب الحوار. ويمكن للباحث أن يقف على نظائر لها فيما يسميه هذا الكتاب بـ"المجادلة" و"المناظرة": إن الغرض من المجادلة والمناظرة تبيان الحق والصواب. ولأجل ذلك نرى ابن الجوزي يجيز مناظرة "من يقر بضرورة أو يعترف بأمر فيجعل ما يقر سببا إلى تصحيح ما يجحده، فأما من لا يقر بذلك فمجادلته مطروحة" (ص.38) كأني بابن الجوزي يناصر الجدوى ضد العدم، ويرى ارتباط المناظرة بميثاق شرف هو البحث عن الحق. وإذا ما تبين لابن الجوزي أن مذهب بعض الفرق خرافات، فلا ينبغي مد النفس في الكلام معهم، مثلما صنع مع الثنوية (ص.43). بل إنه يرى أن مثل تلك المذاهب لا يحتاج إلى تكلف في ردها إذ هي دعاوى بلا دليل (ص.69). كاني بابن الجوزي يشترط الدليل في المناظرة ولا يقبلها خالية منه.

بيد أن إظهار الحق لم يكن خارج قصدية معلومة ومدركة لدى السلف؛ إذ إظهار الحق مقصوده "المناصحة" لديهم فيما بينهم، حتى يستقيم أمر الناس وبالحق يعدلون. وبذلك كانت المناصحة سلوكا قصديا معلوما ومدركا لديهم وهم يظهرون الحق أنى كانوا، فإذا خفي على أحدهم شيء نبهه الآخر ولا يتركه على غفلته حتى يتأدى به الأمر إلى نتائج غير مرضية فيقع في الحرج وتزل قدمه في الخطأ.

وإن المناصحة بإظهار الحق لتأخذ طابعا إلزاميا في بعض الأحيان حين يمتنع الفقيه عن إظهار الدليل بحجة أن ذلك لا يلزمه؛ إذ يلزمه مقام النصح وإظهار الحق ولو أن ما ابتدع من جدل لا يلزمه. ثم إن الحق أولى أن يتبع، ولو كان إلى جانب الخصم؛ ولفضيلة كبرى أن يرجع المرء عن الباطل إذا ما تبين له الحق في جوار الخصم، وليس حسن أن يجتهد المرء في رده مع علمه أنه كذلك، ولا ينبغي أن يضيق صدره بذلك. لهذا شنع ابن الجوزي على بعض الفقهاء وعد صنيعهم من أقبح القبيح، لأن المناظرة إنما وضعت لبيان الحق ولا ينبغي لها أن تنقلب إلى "مكابرة" ولا المجادلة إلى "مخاذلة" فإن ذلك من محاذيرها، كأنما أراد أن تظل الواحدة منهما مناصرة للحق والأخرى مساندة له حتى تكتمل المناصحة في جميع ذلك.

منطق المخالفة ومنطق المؤالفة:

لعل هذا المثال الذي أخذناه من القرن السادس الهجري، يصلح أن يكون نموذجا لما يمكن أن تكون عليه المصنفات القديمة من حيث اتصالها بآداب الحوار ومن ثم مناسبة لتغيير رؤيتنا عما تتضمنه من مواقف وآراء.

ومهما يكن من أمر، إن محاولة إسناد "حوارنا" بآداب نبحث لها عن مقومات في التاريخ الثقافي لأمتنا، لا يمنعنا من إدراك حقيقة أساسية، وهي قيامها على منطق المخالفة حيث يمضي القدماء إلى مخالفة الخصم، وإظهار تهافته وفضحه، وبيان تلبيسه والرد عليه وربما تكفيره وتبديعه واستعداء السلطان عليه.

وإذا كان للقدامى أسبابهم في ذلك، فإنها على أية حالة ليست أسبابنا، ومن ثم إن منطق المؤالفة هو ما ينبغي رسوخه في قلب الحوار الذي ندعو إليه وكينونة آدابه التي ننادي بها كسبا للخصم إلى الصف، وحماية للظهر من العدو، واستعدادا للجوهري من القضايا والمعارك ونبذا للزائف منها… نقوم بذلك في إطار نقد للحق وتواؤما مع شرط المناصحة وعملا به.

غير أن منطق المؤالفة هذا لا يمكن أن يستقيم إلا في إطار ضبط للاختلاف لا سيما وأن الحق حقوق والمسالك المؤدية إليه متشعبة والعوائق في طريقه عديدة. فنظرية الحق، كما كانت لدى القدامى، ليست هي ذات النظرية التي ننطلق منها، ولا يمكن أن نشترك معهم إلا في المبدأ؛ وأقصد به إظهار الحق، وتحقيق المناصحة، أما هي بالجوهر، فلا، ولذلك يجب علينا بلورة نظرية في الحق أكثر ما تكون قائمة على الاختلاف وعلى الحق في الاختلاف حتى يتحقق الحوار، ومن ثم يظهر الحق وتتم المناصحة، وتؤدي خير الأعمال…

وكما نحتاج إلى بلورة نظرية في الحق، نحتاج أيضا إلى بلورة نظرية في الاختلاف لأن الحوار، ومن ثم كل الآداب التي يتقوم بها، لا يمكن أن تتم إلا بحضور تصور واضح للاختلاف ولأطرافه، وأشكاله، وقيمته، وحدوده.

نظرية الحق ونظرية في الاختلاف:

لقد مارس القدامى الاختلاف بمنطق المخالفة وإن اشترطوا له المناصحة بإظهار الحق، وما ذلك إلا لأن نظرية الحق التي كانوا ينطلقون منها، كانت على قدر كبير من التوحد، وقد أتاها ذلك من بابين، أحدهما الحق بمعناه الديني، وقد استمعوا إلى القرآن الكريم وهو موئل ذلك الحق والبرهان عليه؛ وثانيهما توفر الآلة بمعناها المنهجي وقد اشتغلوا على آلات من القياس والبرهان والاستدلال كثيرة، فما كان متوائما مع شروطها عد حقا، وإن لا عد باطلا.

ونحن إذا جمعنا الحق هاهنا وجدناه بمعناه الديني والمنهجي وسنجد أن كل الحقوق، بمعناها السياسي على سبيل المثال، تحاول الانضباط للحق الديني ولكنها لا تستطيع، فتظل مجالا للتعدد والاختلاف ومن ثم للفرقة والتصارع.. وهكذا عرف التاريخ الإسلامي فرقا وطوائف وأحزابا وشيعا كل له إمام ومذهب.

وإذا ما تعارضت نظرية الحق، كما كانوا ينطلقون منها، بمعناها الديني أو المنهجي، مع بعض الأطراف، رأيناهم يلجئون إلى التأويل، وهي ممارسة توحيدية بالأساس لأنها تعيد إلى "المحكم" "المتشابه" وترجع إلى الأصل الفرع، ولو أنها ممارسة يطبعها الاختلاف والتناقض أحيانا إلا أنها تبقى في العمق ذات طابع توحيدي خاضعة لنظرية الحق كما نجدها لديهم.

أما نحن، إذا ما قيض لنا ممارسة الاختلاف، فينبغي ممارسته بمنطق المؤالفة والائتلاف، وأن نشترط له المناصحة بإظهار الحق العملي أكثر من الحق النظري. وما ذلك إلا لأن نظرية الحق التي يمكن أن ننطلق منها، هي على قدر كبير من التعدد. وسبب ذلك أمران أولهما: اعتقادنا أن الحقيقة مبنية بصيغة النسبي، وإن كانت مسؤولية الجميع، وثانيهما أن الحقيقة محل اتفاق بالغاية، موضع شقاق بالواقع، فإن حدث ذلك فحسب الناس الاختلافات النظرية بصددها، وما يهم هو مجمل الإمكانات العملية لجعلها موضع تطبيق ومواءمة لمصالح الناس المرسلة.

فصل في الاختلاف

لا يستقيم أمر الحوار إلا بحرية الفكر، ولا يمكن تحقق الحوار إلا ضمن آداب مسطرة، وأخلاق معلومة، ولا يمكن أن يكون الحوار إلا بالاعتراف للآخر بحقه في التفكير ومن ثم حقه في إبداع الحقيقة وحقه في الاختلاف. كل هذا يتم في إطار نظرية للحق ونظرية للاختلاف. وإذا كنا قد حللنا سابقا بعض مكونات الحق، كما نفهمه ونمارسه، آن لنا أن نحلل بعض مكونات الاختلاف كما يراد لنا ممارسته.

الاختلاف وفلسفة الحقيقة:

يظهر لنا أن التفكير في الاختلاف لا يمكن أن يتم إلا في إطار فلسفة للحقيقة يغلب عليها الطابع النسبي، مثلما هو الأمر في مجال العلم الطبيعي. ولسنا في حاجة إلى إبداع مخرج ذكي للإشكال المذكور الذي يثير التوتر حول الحقيقة هل هي نسبية أم مطلقة، بقولنا إن الحقيقة مطلقة على مستوى التصور، نسبية على مستوى التطور؛ فإنه مخرج قد يكف سلسلة التوتر من الانتشار، ولكنه لا يحل إشكال إمكانية أو عدم إمكانية "تحقيق الحقيقة"، ومن ثم لا يقدم لنا خطاطة بالإمكانات التي يفتحها الاختلاف بين أهله لكي يمارسوا اختلافهم على أرض صلبة من النسبية الاحتمالية.

وعلى هذا يبدو لنا أن الحقيقة ممكنة الإطلاق على مستوى التصور، ممكنة التحقق على مستوى التطور. صحيح أن الحذر من السقوط في وثوقية ما واضحة في التقسيم السابق، ولكنها ذات فائدة في تمكين الاختلاف من أن يصبح هو المطلقية الوحيدة الممكنة والمتحققة حتى نضمن لأهل الاختلاف حقهم في الكلام، ونضمن للقضية حظوظها في النجاح والظفر بما تقصده من غايات؛ إذ في غياب القول بنسبية الحقيقة، لا يمكن ممارسة الاختلاف إلا في حالة وحيدة وهي الاعتراف بحقيقة مطلقة وممارسة الاختلاف في فهمها وتأويلها وتحقيقها بكيفية تؤكد ما كان المفكر الالماني "هابرماس" دعا إليه من الحقيقة التواصلية.

الاختلاف في الحق المطلق:

تمدنا الآية الكريمة 213 من سورة البقرة بعلامات كثيرة عن الاختلاف في الحق المطلق. يقول تعالى: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيئين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".

أولى تلك العلامات أن سابق عهد الناس كان بالوحدة وليس بالفرقة، بالوفاق وليس بالشقاق. ولكن وحدتهم أصبحت فرقة، ووفاقهم انقلب شقاقا حينما بعث الله النبيئين مبشرين ومنذرين؛ فهل الوحدة هي الوضع الطبيعي للناس، ومن ثم إن الاختلاف والفرقة هما الوضع الشاذ إذا اعتبرنا أن تاريخ الحق يبدأ بنزول الأنبياء، وما سبق تاريخهم يعد خروجا عن الحق، ومن ثم يعتبر وضعا شاذا وإن كانت فيه الناس أمة واحدة؟

ثاني تلك العلامات، أن واقعة الاختلاف ارتبطت بنزول الكتاب المتضمن للحق، وجعله حكما فيما اختلف فيه الناس. فهل يحسم الكتاب الاختلاف أم يبلور مرحلة أخرى منه ليس لها من سمة إلا أنها داخل الحق وليس خارجه، داخل المشروعية وليس بعيدا عنها؟

ثالث تلك العلامات أن الاختلاف لم يقع إلا بعد أن جاء الناس "البينات" وكان أولى أن لا يقع لأن البينات موضع ائتلاف لا موضع اختلاف.

رابع تلك العلامات أن الدافع إلى الاختلاف هو البغي بين الناس فلم يكن طلبهم الحق بل الباطل.

خامس تلك العلامات، أن موضوع الاختلاف كان في الحق وليس في الباطل، فهل يعني ذلك أن الباطل كان موضوع ائتلاف بينهم؟

سادس تلك العلامات أن الله هدى الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، ومعنى هذا أن الاختلاف إرادي والهداية إلى الائتلاف لا إرادية.

سابع تلك العلامات أن الصراط المستقيم يقابل الاختلاف كما توحي بذلك الآية؛ إذ من اختلف في الحق كمن انحرف عن الصراط، ومن ثم كان الاختلاف اعوجاجا وما عداه استقامة.

هل لنا الحق في استخلاص كل تلك العلامات من الآية الكريمة السابقة؟ أكيد أن ضرورات السياق الذي نجري فيه الكلام تبيح لنا الحق المذكور؛ لا سيما ونحن في مجال التفسير وهو المجال الأكثر علامة على الاختلاف والتعدد في فهم النص القرآني حتى أن الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي، صاحب "تفسير القرآن العظيم" المعروف بطريقته في التفسير بالمأثور، المفترض فيه حصول الاتفاق خلافا للتفسير بالرأي المؤدي إلى الاختلاف والتعدد، يروي طرفا من تفسيره لهذه الآية من سورة البقرة، فيتحدث عن ألوان من معانيها وذخائرها، ويستحسن قول ابن عباس منها لأنه أصح سندا ومعنى في نظره(18).

وأيا ما كان الأمر، إن الاختلاف في الحق، كما تبينه الآية السابقة، أصبح موضع تداول، وترتبت عنه حقائق نسبية، ونشأت عنه أعمال تسير على هديها بعدما نزل الكتاب المتضمن له باعتباره الحق المطلق، فانظر كيف وأن الحق واضح بالذات اقتضى الأمر الاختلاف فيه! فكيف إذا كان غامض المعالم؟.. فعلام يدل ذلك؟

الاختلاف سنخ وطبيعة:

قد يسعنا في الإجابة أبو سعيد السيرافي حينما قال: إن الاختلاف في الرأي والنظر والبحث والمسألة والجواب سنخ وطبيعة(19)؛ فالناس على كثرتهم، مطبوعون على الاختلاف إذ هو متأصل فيهم: في آرائهم ونظرهم وبحثهم ومسألتهم وجوابهم.. ولا غرابة، فالاختلاف واقع أونطولوجي قبل أن يكون واقعا إنسانيا. وأسهل على المرء التدليل على وجوده من الإحالة على الوجود العام المتنوع في كينونته المختلف في أوضاعه. وليس له أن يذهب بعيدا في شؤون الإنسان إلا إذا أراد مضاعفة الدليل عليه نظرا لما يتميز به هذا الشأن من اختلاف كثير وتمايز أكثر؛ لا سيما إذا ارتبط بالحالات الشعورية للإنسان، وهي حالات متميزة بالتغير والتحول على ما هو معلوم، وإن كان أن الشخص، وهو الواحد، يمضي إلى التوحد مع الآخر على ما بين "ألان Alain" وتابعه في ذلك "بول ريكور" P.Riceur(20).

ما يوحدنا مع الناس اختلافاتنا:

وإنه لشيء غريب أن يشكل الإنسان بفرديته وضعا اختلافيا ومع ذلك يحقق توحده مع الآخر، المغاير له آنا، المؤالف له آنا، حتى أن "أونامونو" Unamuno مضى إلى القول إن أكثر ما يوحدنا مع الناس اختلافاتنا. وزاد على ذلك فقال: إن ما يوحد كلامنا مع ذاته، ويجعل حياتنا الحميمية موجدة، هي اختلافاتنا وتناقضاتنا الداخلية لاختلافاتنا، ولا يصبح المرء في سلام مع ذاته إلا حين يموت مثل الكيخوطي(21).

وهكذا نرى أن الاختلاف، بكل دلالاته، هو الموجود الأكبر الذي يتراءى للعين البصيرة وهي تتابع المرئيات في يقظة وحذر واعتبار.

الاختلاف واقع تاريخي:

وإذا أمكن لهذه العين تفحص ثقافتنا القديمة، فلها أن تجد أن الاختلاف كان واقعا تاريخيا مهيمنا، في السياسة والفكر والدين والمجتمع، وصيغة الجمع لم تكن اختيارا شخصيا من طرف الذين سجلوا وقائع أو أفكار أو معتقدات سائدة في أوساطهم حين تحدثوا عن الملل والنحل ومقالات الإسلاميين وآراء الإسلاميين وآراء أهل المدينة الفاضلة.. بل كانت تعبيرا عن حالة واقعة بالفعل وكانوا الشاهدين عليها وأيضا الفاعلين فيها.

ولنا أن نعجب، مع ذلك، من موقف كثير من القدامى من الاختلاف: فعلى سبيل المثال، يربط صاحب الإمتاع والمؤانسة الكثرة بالاختلاف ونعلم على الفور أي منزع يتخذه في الحكم عليه مسبقا فيقول: "والكثرة فاتحة الاختلاف والاختلاف جالب للحيرة والحيرة خانقة للإنسان(22).

ولو أردنا تعليل هذا الموقف، لوجدنا له تعليلا سيكولوجيا استقاه التوحيدي من خبرته بالناس وبأحوالهم لما علم من أمر الحيرة ومضاعفاتها الصحية والاجتماعية على الفرد ليس أقلها خطرا اختناق الإنسان إن في صحته النفسية والعقلية أو في وضعه الاجتماعي والمهني.

وإذا كان هذا التعليل السيكولوجي ممكن، فأكثر إمكانية منه التعليل السياسي لذلك الموقف؛ فلو وضعنا في جملة التوحيدي السابقة "الفرقة" بدل "الحيرة" و"الأمة" بدل "الإنسان" وقرأناها قراءة سياسية بالكيفية التالية: "والكثرة فاتحة للاختلاف، والاختلاف جالب للفرقة، والفرقة خانقة للأمة" لوقفنا على معنى يدعم فهمنا لنفور القدامى من الاختلاف والكثرة وهيامهم بالوحدة والائتلاف؛ إذ كانوا حريصين على وحدة الأمة، وعلى تماسكها الديني والسياسي(23).

علاوة على أن الوحدة لا الكثرة، تمثل في المنظومة الإسلامية منتهى النهايات، فالله واحد، والوحدانية والألوهية بعيدتا الغور في التاريخ الديني منذ سيدنا آدم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، والتوحيد ثابت عقائدي دافع عنه المتكلمون وجعله المعتزلة أول أصولهم الخمسة، والوحدة مبدأ فلسفي وضعه الفارابي في علاقة متآلفة مع الكثرة ليفسر به، في نظرية الفيض، خلق العالم وصدور الكثرة عن الوحدة.

والوحدة ممارسة اجتماعية وأخلاقية في مفهوم "الأمة" و"العمل بالمعروف والنهي عن المنكر" ممارسة سياسية في تأسيس الدولة ومضيها إلى فتح البلاد الغير الإسلامية وتوحيدها تحت راية الإسلام، وباسم خليفة المسلمين.

لهذه الأسباب وغيرها، نرى لم كان نفور القدامى من الاختلاف والكثرة على الرغم من كونه كان السمة الغالبة على عصرهم.

الاختلاف والمشروعية:

غير أن القدامى بلوروا من الاختلاف موقفا آخر حين كان هواهم مع الائتلاف والوحدة. ولو أردنا طلبه، فما علينا إلا فحص كتب الفرق، وما تتضمنه من نقد للخلاف على أساس "توحد" الحقيقة و"مشروعية" الفرقة الناجية.

كل التراث الفرقي يقوم على بنية واحدة هي وجود الواحد والموحد. فالحق الواحد صادر عن الأصل الإلهي واصل إلى الفرقة بوساطة الإرث النبوي، وهي تدركه الإدراك الحق بما وضعه الله فيها من قدرة الإحاطة، وسلامة الإصابة، وهي، من ثم، المؤهلة الوحيدة لإدراكه وفهمه وتأويله وتفصيل المقال فيه، ولذلك فإن من مضى إلى إدراك ذلك الحق، ومن حاول الإحاطة بكنهه، وإصابة الحق فيه، فإنما مضيه يكون إلى سراب لافتقاده إلى الآلة اللازمة إلى ذلك العمل… من هنا كان توحيد الفرق للحق إدراكا وتأويلا(24).

ومثلما نراه يقوم على الحق الواحد والموحد، نرى قيامه على عقيدة "النجاة" إذ ليس يفهم "الفرقي" حديث الرسول الكريم "من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد" إلا مرتبطا بالنجاة دون غيره، ونحسبه يقرأ "الأجر" هاهنا بـ"النجاة" وحين يفعل ذلك، فإن كل الفرق مآلها إلى النار فيما فرقته إلى الجنة، وأغرب ما نستغربه له عدم طلبه الرحمة لمن عداه من الخصوم وإن يكن ذلك من آداب الإسلام(25).

وإن الناظر في هذا التراث الفرقي، وهو يعاين مواطن الاختلاف، كما يمارس هاهنا، له أن يقف على نوعين من الاختلاف، اختلاف تمارسه "الفرقة الناجية" مع الفرق الهالكة، حين تتشبث بالحق كتابا وسنة وجماعة وتترك الباطل ببدعه وضلالاته؛ واختلاف تمارسه الفرق الهالكة على كثرتها وعددها(26) مع بعضها البعض حين تتشبث هي الأخرى بالحق كما تتصوره، كتابا وسنة وتترك الباطل ببدعه وضلالاته. فكل من هذه الفرق يقف على أرض المشروعية ومن ثم يرى أنه الناجي من الهلاك لأنه المدرك حقا للحق الناصح به.

والواقع أن الناظر في كل ذلك، سيفاجأ بكثرة الدعاوي التي يقدمها هذا الطرف أو ذاك وهو يخاصم الآخرين عن أي الفرق الناجية، وأيها الممثلة للحق العاملة به إذا لم يكن يمتلك بعض المعرفة بأسباب كل ذلك.

فما عساها تكون؟

أسباب الاختلاف:

ليست بنا حاجة إلى مشاركة القوم خصوماتهم، لأننا ننتمي إلى إشكالية مغايرة لإشكاليتهم؛ فإشكاليتهم إشكالية المخالفة، فيما إشكاليتنا إشكالية المؤالفة.

ومع ذلك، لا بأس من تعيينها هاهنا، ويمكن استخلاصها من حديث الإمام الشاطبي حول الاختلاف. لقد عدد صاحب الاعتصام أسباب الاختلاف في ثلاثة وجوه، في أصل النحلة، وأتباع الهوى، والتصميم على أتباع العوائد ثم أرجعها إلى واحدة فقال: "هذه الأسباب راجعة في التحصيل إلى وجه واحد، وهو الجهل بمقاصد الشريعة، والتخرص على معانيها بالظن من غير تشبث، أو الأخذ فيها بالنظر الأول ولا يكون ذلك من راسخ العلم"(27).

إن أبا إسحاق يشترط في ممارسة الاختلاف العلم بمقاصد الشريعة، والصدق على معانيها بالعلم بتحقق، والأخذ فيها بالنظر المتوالي حتى يكون ذلك من راسخ العلم. وإن ما ذكره أبو إسحاق هاهنا، يصح أن يكون في آن سببا للاختلاف وعلاجا له، ومعيارا لتمييز الفرقة الناجية حسب نظرية الحق التي ينطلق منها صاحب الموافقات.

فيما يتصل بسبب الاختلاف، لم يترك لنا أبو إسحاق مزيدا من الكلام في هذا الباب، إلا إذا شئنا تعيين سبب الاختلاف بالمفرد لا بالجمع.

أما إذا كان وشئنا ذلك فإن ما ذكره أبو إسحاق ينضاف إلى قبيله من الأسباب، وهي عندنا كثيرة لا حاجة إلى ذكرها الآن.

أما فيما يتصل بعلاج الاختلاف، فإنا نكاد نقطع أن أبا إسحاق يرى أن الاختلاف لا محالة معالج إذا حضر العلم بمقاصد الشريعة، والصدق على معانيها بالعلم بتحقق، والأخذ فيها بالنظر المتوالي حتى يكون ذلك من راسخ العلم. ومن ثم إن ما ذكره أبو إسحاق هاهنا لا يتعلق بأسباب الاختلاف فحسب، ولكنه يتعلق أيضا بشروطه، ولعلها ما ذكرنا على لسانه سابقا وإن لم تكن صيغة الشرط هاهنا صيغة مضمرة لم يصرح بها أبو إسحاق التصريح التام.

لكن إلى أي حد يمكن اعتبار ذلك بحق علاجا للاختلاف؟.. إذا كان أبو إسحاق يريد من عدم حصول الاختلاف حصول الاتفاق، فإن الأمر يكاد يكون في حكم المستحيل؛ لا سيما وأن الاختلاف واقع في باب النظريات، وقد ثبت عند النظار كما يقول صاحب الاعتصام أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة(28).

إن الخشية كلها من حدوث الشقاق بين الناس إذا ما اختلف علماؤهم وانصرفوا عن الوفاق إلى ما يفرقهم ويمزقهم أحزابا وشيعا.

على أن ما يتصل بمعيار التمييز بين الفرقة الناجية من غيرها من الفرق الهالكة، إذا ما انتظمنا منهجيا في نظرية الحق كما ينطلق منها الشاطبي، فإنه بلا ريب، ما حرص أبو إسحاق على عدم التصريح به، ونقصد بذلك "خطة الاختلاف" باعتبارها عملا خاصا يقوم به أناس معينون، هم تاريخيا، أهل السنة والجماعة.

وفي اعتقادنا، إن هذا التتويج التاريخي لهؤلاء، أتى من افتراض أساسي -له أن يختبر على أية حال- أن من أدرك رتبة الرسوخ في العلم، لا يمكن له أن يكون إلا من أهل السنة والجماعة نظرا لحصول العلم بمقاصد الشريعة، والتحقق من معانيها، وتوالي النظر فيها لديهم، ومن ثم مخالفتهم لأهل البدع والضلالات.

 

الاختلاف صناعة الخاصة لا صناعة العامة:

على ضوء ما سبق، يمكن استخلاص جملة من الملاحظات وإن من سائرها أن الاختلاف صناعة الخاصة لا صناعة العامة؛ لأن الخاصة من أهل العلم هم وحدهم من يمتلكون الآلة الضرورية للنظر في الشريعة واستخلاص الأحكام اللازمة منها ومن ثم يمكن اعتبار اقتران الاختلاف بالخاصة من الضمانات الأكثر قوة لكي لا تحدث الفتنة ويكون الشقاق بين الناس. فلو سكت من لا يعلم سقط الاختلاف على ما يقول التوحيدي(29) ولا سيما إذا كان ما تفهمه الخاصة من مسئوليتها أن تحقق مصالح العامة، وترعى شؤونها، وتحافظ على وحدتها من التمزق، وعلى حقوقها من الضياع، لا تحقيق النظر فيمن يمتلك الحجة القوية، والدليل القاطع، والبرهان الساطع على صحة موقفه، وسلامة معتقده، وشرعية وجوده.

ولذلك فإن محاذير الاختلاف، ارتباطه بتحقيق المصلحة الخاصة، سواء للفرد المختلف أو لجماعته، حتى أن الاختلاف لا يقع أحيانا طلبا للحق، وإحقاقا له، أكان هذا الحق حقا نظريا أم حقا عمليا، وإنما طلبا لمصلحة، وغالبا ما تكون مصلحة ضيقة تتخذ كثافتها في الطمع بالسلطة سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية.

الاختلاف المجرد والاختلاف المحدد:

ثم إن هناك نوعا من الاختلاف نحسبه كذلك وهو غير ذلك، فما كل اختلاف يكون كذلك.. وفيما يظهر لنا، لكي يكون الاختلاف اختلافا حقيقيا، لا اختلافا وهميا، ينبغي تحديد موضوع الاختلاف وأوجهه؛ فقد نضيع كثيرا من الجهد في الحديث عن الاختلاف إذا دقت علينا أوجهه؛ إذ من الجائز أن يكون اختلافنا ليس في الجوهر وإنما في الشكل، مثلما يمكن أن يكون في أقل المسائل لا في أكثرها ومن ثم لا نكون على اختلاف وإنما على ائتلاف ولكن بلا شعور منا، أو بغرض في أنفسنا لا يتماشى ومبدأ المناصحة الذي تركه لنا القدامى.

ومن المعلوم الذي لا مراء فيه، كما قال الشهرستاني، أن ليس كل من تميز بمقالة ما في مسألة ما عد صاحب مقالة، وإلا فتكاد تخرج المقالات عن حد الحصر والعدد، ويكون من انفرد بمسألة من أحكام الجوهر مثلا معدودا في عداد أصحاب المقالات! فلا بد إذن من ضابط في مسائل هي أصول وقواعد يكون الاختلاف فيها اختلافا يعتبر مقالة، ويعد صاحبه صاحب مقالة(30).

كما أنه لكي يكون الاختلاف اختلافا حقيقيا، ينبغي أن ننظر فيما إذا كنا بصدد الاختلاف المحدد لا الاختلاف المجرد؛ فمن أكثر الآفات التي تجعل أية قضية غير حائزة على ظفرها، انغمار المدافعين عنها في اختلاف مجرد لا تبدو قوائمه مركوزة على أرض الواقع الملموس فيما هم مطالبين بالنظر في اختلاف محدد حول قضايا معينة محسوبة بالوقت والجغرافيا والعلاقات الإنسانية.

فصل في المؤالفة

إن الغاية الاساسية التي يمضي إليها الاختلاف، على ما يبدو لنا، هي تكثير طرق السعادة الإنسانية؛ وذلك بتعديد مسالك الحق العملي وعدم الاقتصار على مسلك واحد نظرا لما يمكن أن يلحق من جرائه الناس من الضيق والعنت. فبهذا المعنى، كان الاختلاف رحمة، وأهل الاختلاف أهل تراحم عندنا. لكن اشتراط الاختلاف بالحق، وبصناعة الخاصة، فيه قضاء على الحق في الاختلاف.

تخصيص الحق في الاختلاف:

إن الحق في الاختلاف لا مراء فيه، ولو أن هناك من ينكر وجوده في تراثنا(31) لكن ينبغي أن يظل في أهله وذويه من أصحاب العلم.

وحين نقول أصحاب العلم، لا نقصر مدلوله على حقل معرفي دون آخر، إنما نطلقه حتى يشمل جميع الحقول؛ لا سيما العلوم النظرية على عادة القدامى في حصر العلم في فئة خاصة.

إن الاختلاف يمارس نظريا، مثلما يمارس عمليا؛ وحين نذكر الاختلاف، يمضي ذهننا، مباشرة إلى التصورات والإدراكات والتأويلات. وهذا صحيح بنسبة معينة، غير أن من يستطيع فعل ذلك فئة خاصة من الناس هي التي لها قدرة على وعي تصوراتها والحديث عن إدراكاتها، وصياغة تأويلاتها. العامة، على عكس ذلك، تمارس الاختلاف، إنما بأسلوبها الخاص في الحياة، ولا تشغل بالها أثناءه بما يعن لها من أمور نظرية؛ حسبها توفر الخبز في السوق، وليكن ذلك بثمن مناسب لقدرتها الأدائية، ولا يهمها أن يكون مصدره القطاع العام أو الخاص، ولا تم إعداده في مطاحن توجد على أرض ذات نظام اشتراكي أو رأسمالي. حسب الناس العدل، ولا يهمهم أن يكون النظام ملكيا أو جمهوريا، ديموقراطيا أو ديكتاتوريا..

إن اشتراط الاختلاف بالحق، ومن ثم حصره في أهل الصناعة، لكفيل بتجنيب الناس الشقاق والافتراق، ومن ثم ضياع القضية.

وقد يكون في ذلك تقييدا للحق في الاختلاف، والأمر ليس كذلك مطلقا، إذ هو محض تصريف الاختلاف نحو وجهة تخدم جوهر القضية، وتساعدها على بلوغ مراميها من الظفر والنجاح، سواء كانت قضية فكرية أو اجتماعية أو سياسية أو عقائدية. فما قيمة الحق في الاختلاف إذا لم يرتبط بالمثال تفعيلا وتحقيقا ومناداة ؟

 

الحق في الاختلاف وتحقيق المثال:

إنه لمن اليسير أن يتصور المرء واقعا للاختلاف تنعدم فيه "الجدوى" ويغيب فيه "الهدف" ويزايله "القصد".. فأن يكون هناك اختلاف لأجل الاختلاف، مكابرة للحق، وتملقا للسلطة، ونكاية في الخصم، وذهابا مع الهوى، معناه أن العبث هو محرك الاختلاف، تشتاق إليه الخصومة، وتهيم به نفس أمارة بالسوء، وعوض أن يصبح الاختلاف في الحق، أو فيما هو من المفروض حقا، تحقيقا لمنفعة عملية وإحقاقا لمبدأ أخلاقي، وتناديا به، وتطبيقا له، يصبح الاختلاف في الباطل، تحقيقا لخسارة جسيمة، وتتويجا لمبدأ الانهيار، وتناديا بأزمة، وتعليما لها.

ولعل ارتباط الاختلاف بالمثال تحقيقا وتطبيقا، من أكثر الضرورات التي تجعل من الحق في الاختلاف حقا مكفولا لأهله، نظرا لاطمئناننا إلى إدراكهم جدوائية الاختلاف وغاياته، وسعيهم الدؤوب إلى تحقيق تلك المثالات التي يرجونها، غدا مشرقا نوره الوهاج، ومن ثم يمكن جمعهم على كلمة سواء أكانت الديموقراطية، أم الشخصية الحضارية، أم الحرية والاستقلال أم التقدم والازدهار… إلى غير ذلك من قضايا العصر.

الاختلاف وتأليف القلوب:

إن جمع أهل الاختلاف على كلمة سواء ميسور من جهة أن كلا منهم مرتبط بموقف عاطفي وجداني مع تلك القضايا، فكلهم يكرهون الاستبداد، ويمقتون التغريب، ويعادون الاستعمار، ويضجرون من التخلف، مثلما أن جميعهم يعشقون الديموقراطية، ويهيمون شغفا بالحرية، والهوية الحضارية، ويحبون الاستقلال، ويتمنون شهود التقدم والرخاء والازدهار.

لكن هذا الجمع غير ميسور من جهة أن كلا منهم يرتبط بموقف نظري فكري مع تلك القضية، فإن لكل منهم تصوره للاستبداد، وفهمه للتغريب، ووعيه بالاستعمار، وإدراكه لمستويات التخلف، ومن ثم تحليله له، وحكمه عليها، وتقديمه لحلول بشأنها..

ويظهر لي أن الإجراء المناسب في هذا المقام لا يمكن أن يكون إلا تأليف القلوب على الحد الأدنى من الكيفيات التي ينظر بها إلى قضايا العصر، والكميات التي ينتظر أن تبلورها نتائج ملموسة، فإذا كان من الصعب تأليف العقول حول تلك القضايا، فلا أقل من تأليف القلوب عليها.

ويخيل إلي أن هذا المصطلح القرآني العظيم، وبعض آثاره في تراثنا الثقافي(32) يلخص المشكلة في الجوهر. ذلك أنا إذا اصطلحنا على جعل القلوب محل الأهواء، والأهواء عرضة للتغير والتحول، على عكس العقول، إذ هي محل الأفكار، والأفكار ثابتة -نسبيا- تصاغ في مواقف، وهذه تبني بفعل الاقتناع، لكان تأليف القلوب، بدل تأليف العقول، من أفضل الطرق التي نرى ضرورة سلوكها لممارسة الاختلاف، فما يمنع آراء أهل المدينة الفاضلة، وهم من هم في اختلاف الرأي والمنزع والهوى، من التوحد في الفضيلة، والتشارك في الفضل.

تأليف القلوب وإمكانيات الحوار:

صحيح أن "إزالة الرواسي أيسر من تأليف القلوب" على ما يذكر التوحيدي(33). ورغم ذلك، إن محض المحاولة في تأليفها لخير كثير. فإذا نحن دققنا النظر فيما تنطوي عليه من إمكانيات لوجدناها تزيد عن الحاجة. إليها عنا إمكانية تحقيق الحوار من أجل الحوار؛ فهذا من أيسر ما يكون لا سيما إذا خلا من التزام ثنائي بين طرفي الحوار حول البحث عن الحقيقة والعمل بها والتناصح بفوائدها.

الحوار المراد هنا هو الجاري حول قضية معينة، لها وضع نظري في التصور، وامتداد جغرافي في الزمان، وحين تكون موضع حوار تنكشف للمتحاورين بصددها حالاتها المختلفة، وإمكانيات معالجتها، مثلما تنكشف لهم كثير من المعطيات الخاصة بمواقفهم، في سياق الحجاج الذي يقومون به وليس من المستبعد أن يرجع فريق ما عن رأيه إذا ما تبين له أن موقفه السابق ينم عن قصر في الرؤية، وقصور في الحكم، فيتحلى بالحق حيثما وجده، وإن كان إلى جانب الخصم.

وإنا قد نفهم رفض الناس للحوار فيما بينهم، إذا لم تحضر شروطه وآدابه، لكنا لا نفهم لم يرفض الناس فكرة الحوار من المبدأ. الظاهر أن كثيرا من الناس لم تزل لم تفهم أن الحوار ليس أخذا برأي الخصم، ولا انصياعا لمذهبه في النظر والاعتقاد، ولا اعترافا بموقفه، ولا إقرارا لمشروعية وجوده..

ونحسب أن الموقف الطبيعي الذي يمكن رفض الحوار فيه هو الموقف الذي يحملك على القول بما لا تراه، والعمل بما لا تعتقده، ثم يمنعك من رؤية رأي إلا ما يراه، أو تعمل عملا إلا ما يعمل، ويتوج ذلك بالإكراه والإجبار؛ فالأمر يتعلق هاهنا ولا ريب بالتكرار، إذا الخصم يطلب منك أن تكرره قولا وعملا، وهذا من رابع المستحيلات فضلا عن أن فيه من تعطيل الاختلاف وتوقيف الحق في الاختلاف ما يتعارض مع الحوار..

ما عدا ذلك، يعتبر الرفض للحوار تعصبا للذات ولرأيها، ولموقفها، وإلغاء للآخر ولرأيه، ولموقفه، ويحتاج الأمر مع هذه الحالة الاستعانة بخبرة الطب النفسي لتحديد أنجع الطرق لعلاجها.

الاختلاف والائتلاف:

إن الحوار يمكن أن يبلور الاختلاف في البداية، مثلما يمكن أن يبلور الائتلاف في النهاية.. بالنسبة لبلورته الاختلاف، ينطلق طرفا الحوار من مقدمات مختلفة، ثم ينتهيان إلى نتائج مختلفة، فهاهما يحققان الاختلاف، ولكنا نحسبهم يحققون الائتلاف من جهة أخرى، إذا ما ائتلفا على مخرج أو غاية، ولأضرب على ذلك مثالا: ما هو المدخل إلى الائتلاف والحوار بين الإسلاميين والقوميين، على سعة اختلافهم بعضهم مع بعض؟.. الجواب بسيط: إنه الوطن بصفته انتماء، والدين بصفته هوية، فالذي يحقق حظوظ الحوار ومن ثم الائتلاف مع الإسلاميين، هو اعتبار الوطن المانع لانتمائنا وليس لنا غيره من بقاع الأرض وطنا نجسد فيه انتماءنا تفكيرا وشعورا وحلما وسلوكا.

كما أن الذي يحقق حظوظ الحوار والائتلاف معهم هو اعتبار الدين موئل هويتنا، والمميز الحضاري لنا، وليس لنا غيره من أديان الأرض دينا نعبر فيه عن هويتنا، عقيدة وشريعة، إلا ذلك الدين، وإنه لما يحيق بنا خطر الاستعمار الذي يهدد وطننا بالاحتلال، ونفوسنا بالاعتلال، ويحيق بنا خطر التغريب الذي يهدد هويتنا بالانمساخ، وثقافتنا بالانمحاء، فإن دواعي الوحدة تكون أسمى من دواعي الفرقة، وأن دواعي التناصر والتآزر تكون أكثر من دواعي التخاذل والتناحر، فالعدو، سواء كان الاستعمار أو التغريب أو التخلف، لن يفرق بين أهل الاختلاف من إسلاميين وقوميين فهم بالنسبة إليه مجرد "أهالي" وصنيعه بهم لا يمكن أن يكون إلا البطش.. لذلك يكون الائتلاف أفضل صور المجابهة التي يعدها الإسلاميون والقوميون لردع الخطر المحدق بدينهم ووطنهم.. وإن ذلك واجدوه في الحوار باعتباره يوقفهم على أسبابه وصلاته.

إن الاختلاف بهذا المعنى، يصبح ائتلافا، ومن ثم إن إمكانيات الحوار مفتوحة بين الإسلاميين والقوميين، ما دام الوطن والدين واحد.

بل إن الاختلاف في الأصل، يتضمن معاني الوحدة والحوار؛ فلو أمعنا النظر في معنى "اختلف إليه" لوجدناه يدل على الذهاب والتردد على مكان أو شخص ما مثلما أن "المختلفة" هم الذين يتعلمون من شخص ما يترددون عليه(34) وإن الذي يذهب إلى الآخر، ويتردد عليه، ويتعلم منه، يؤكد معنى الاتصال لا الانفصال.. فألا يكفي هذا للدلالة على جراثيم الوحدة والألفة الكامنة في الاختلاف مما يمكن أن تشكل ضرورة لإجراء الحوار بين أهل الاختلاف حتى يختلف الإسلاميون إلى وطن القوميين، ويتعلم هؤلاء منهم الاعتزاز بالشخصية الحضارية، ويأخذ أولئك عن هؤلاء درسا في محبة الوطن، ويسلم الجميع من كيد الاستعمار، وخطر التغريب.. ولهم بعد ذلك أن يناصروا مذهبهم، ويحققوا معتقدهم؟

مناصرة المذهب وتحقيق المعتقد:

لقد قص أبو حيان التوحيدي، في إمتاعه ومؤانسته، قصة اليهودي والمجوسي وما جرى بينهما من كيد الأول وخداعه وخذلانه للثاني، واضعا بذلك أس الأسس للاختلاف حين ذكر على لسان المجوسي ضرورة مناصرة المذهب وتحقيق المعتقد، وتفادي ما يمكن أن يشين المروءة، ويعيب الرجولة(35).

ويظهر لنا أن مناصرة المذهب، وتحقيق المعتقد، من أكثر دروس الاختلاف أهمية، وأعظمها حاجة إلى التعميم بين أهل الاختلاف حتى تكون لهم نبراسا يهديهم في مسالك اختلافهم. فمناصرة المذهب، الدعوة إليه بالحجة والبرهان، مع بيان فضائله وتوضيح مغازيه، وكشف أغراضه.. وطريق ذلك الحوار وكل أشكاله من محادثة ومناظرة ومقابسة وحكاية ورواية..

أما تحقيق المعتقد، فتصريفه في القدرة الحسنة، مع تطبيقه في أعمال منظورة، وتجسيده في سلوكات فاضلة، وإخراجه من رأي النظر، إلى حقيقة الخبر واقعة ملاحظة ومجربة..

إن الشأن الأول متعلق بالدعوة، والشأن الثاني متعلق بالقدوة. أو قل، إن الشأن الأول متعلق بالنظرية، فيما الشأن الثاني متعلق بالتطبيق.

ويبقى على طرفي الاختلاف، وكلاهما يناصر المذهب، ويحقق المعتقد، أن يتبع الواحد مع الآخر، طريق الدعوة، إما تصديقا نظريا أخلاقيا، أو طريق القدوة، تصديقا عمليا تجريبيا.

وكلا الطريقين يحققان المؤالفة: الطريق الأول يتآلف فيه المختلفان بالتصديق النظري حجة وبرهانا وأدلة وبيانات والطريق الثاني يتآلفان فيه بالتصديق العملي التطبيقي وقائع وأحداثا وسلوكات.

وهكذا يصبح الاختلاف ائتلافا، لا يضر فيه أحد أطرافه، إكراها بترك مذهبه، أو نبذ معتقده، أو إلزاما بمخاذلة مذهبه، أو تحقير معتقده، فشرط المؤالفة، احترام مذهب المختلف معه، وتوقير معتقده، وعدم إكراهه على العدول عنه، أو إلزامه غيره بالحديد والنار..

ومتى تم تحقيق شرط المؤالفة هذا، انعدم ما يمكن أن يشكل الخشية من الاختلاف، وهو الشقاق والافتراض ثم الفتنة، ومن ثم ضياع أمر الدنيا والدين.

من فكر الاختلاف إلى فكر المؤالفة:

حرية الفكر مطلب أساسي من مطالب العقل والروح، تطلب بالمطلق فتقع في محظور ذاتها، طعن مشاعر الناس، والإتيان بالباطل بعموم صوره، والباطل الأدبي بخصوص صوره، فيعلن التكفير، ويدعى إلى إقامة الحد، مع أن التبديع كان أولى لدى قدامى مفكرينا، وارتباط الفكر بالمثال وبالجدوى أولى لدينا حتى لا ترتبط حقوق الإنسان بحرية الفكر، وترى ضرورة ضبط حرية الفكر داخل مجال تداولي خاص.

وآداب الحوار شرط ضروري لتتم للفكر حريته، في أن يفكر، ومن ثم يحوز على موقع إلى جانب فكر هو الآخر له حريته وحقه في أن يفكر بحرية؛ فالتفكير شخصي، والحوار اجتماعي، والحاجة إلى كوجيطو جديد أساسية للاعتراف بحق الآخر في التفكير والوجود، والتحاور معه، والانضمام إليه في موقف، وسعي الحوار بينهما إلى بناء المثال، وتجنب تلبيس الحق بالباطل حتى نأتي إلى تجاوز منطق المخالفة، ونعمل بمنطق المؤالفة.

ويرتبط الاختلاف بفلسفة الحقيقة، ويكون في الحق المطلق، لأنه سنخ وطبيعة في الناس، ومع ذلك إن ما يوحدنا معهم اختلافاتنا، فالاختلاف واقع تاريخي في تراثنا الحضاري، اقترن بالمشروعية في اختلاف الفرق، له أسبابه وأنحاء كثيرة لتجاوزه، ومنها تخصيصه في أهله من أصحاب الصناعة، والانتقال به من الاختلاف المجرد إلى الاختلاف المحدد، وربطه بالمثال، وتأليف قلوب أهل الاختلاف، والبحث عن إمكانيات الحوار فيما بينهم، تحقيقا للمؤالفة، على مقياس مناصرة المذهب وتحقيق المعتقد، فإن الخشية على حرية الفكر من وضع لا يعترف بالفكر إلا ما ماثله، ولا يعترف بالحق في الاختلاف إلا فيما لا يراه يشكل بأسا على سلطانه وعلى مشروعية كيانه.

تلك هي معالم رؤيتنا لحرية الفكر، وآداب الحوار والاختلاف والمؤالفة، تجمع بينها خيوط فكر المؤالفة، ومنطق المواحدة؛ آنا ظاهرة، وآنا أخرى خافية، فوقتنا وقت الوحدة والتوحد، والألفة والتآلف، لا وقت الفرقة والتفرق، وفكرنا ينبغي أن يكون فكر المواحدة وفكر المؤالفة تجاوزا للاختلاف المجرد، وتحقيقا للاختلاف المحدد بقضايا العصر الأساسية، الحرية والتقدم، والمسدد بمثاليتنا الضرورية، الوحدة والقوة..

وعلى ذلك ينبغي أن يعمل الفتية الذين آمنوا بقضية الأمة العربية الإسلامية وحقها في وجود حر كريم، وسعادة شاملة على أرض عامرة، محررة ثغورها، ومحصنة حدودها n

 

الهوامش:

1 - سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة. ترجمة وتقديم حسن حنفي، دار الطليعة، الطبعة الثانية، بيروت 1981، ص44-445.

2 - علال الفاسي: النقد الذاتي، لجنة نشر تراث زعيم التحرير، الرباط، بدون تاريخ، ص55-56.

3 - إسحاق بن وهب: نقد النثر، طبعة المكتبة العلمية، بيروت 1980، ص37-40.

4 - ليس من حرية الفكر مثلا أن يلاحظ "أورتيغا إي غاسيت: Ortega y Gasset وهو يتحدث عن طوبوغرافيا النفوذ الاجتماعي في إسبانيا، سيطرة الكنيسة وقوتها في شبه الجزيرة العربية أو التبت فإن في هذا من الباطل الكفاية.

Ortega y Gasset: Espana invertebrada, Alianza editorial. Madrid 1983, p.124.

أو يتعبر "شانتال" و"كيلكيجاي" أن الخطبة هي صلاة الجمعة:

Alexandre Bennigsen/Chantal Lemercier-Quelquejay: Les musulmans oubliés. Maspero, Paris 1981, p.21/

أو يمضي آخر فيزعم أن فاطمة شقيقة النبي محمد فإن في هذا من الباطل الفائض:

E.F. Gautier: Le passé de l’Afrique du Nord, Payot, Paris 1952, p.318-319.

5 - أبو حامد الغزالي: المنقد من الضلال. تحقيق جميل صليبا وكامل عياد، دار الأندلس، بيروت، بدون تاريخ، ص109.

6 - أبو حامد الغزالي: تهافت الفلاسفة، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، الطبعة السادسة، القاهرة 1980، ص84-87.

7 - عضد الدين الأيجي: المواقف في علم الكلام، عالم الكتب، بيروت، بدون تاريخ، ص.7.

8 - محمد بلال أشمل: لاهوت التحرير ومشروع الحياة، جريدة "أنوال" البيضاء 8/8/1992، وانظر التقديم الذي كتبه "خوان خوسي تامايو" لكتاب "كونها":

La teologia de la loberacion a la luz de la nueva evangelizacion, Ed.P.X, Madrid 1992.

ثم انظر تعليقنا على الكتاب المذكور في جريدة "أنوال" البيضاء 12/8/1993.

9 - انظر للغزالي: الأربعين في أصول الدين، أورده سليمان دنيا، مصدر سابق، ص66.

10 - أبو الوليد بن رشد: فصل المقال، تحقيق ألبير نصري نادر، دار المشرق، الطبعة الثالثة، بيروت 1973، ص48.

11 - يقول ابو حيان التوحيدي: "العامة لا توحيد لها، ولا حقيقة معها، ولا مبالاة بها "المقابسات"، تحقيق محمد توفيق حسن، الطبعة الثانية، دار الآداب، بيروت 1989، ص79. وقد اتفق الطرماح والكميت على بغض العامة على ما بينهما من تفاوت المذهب والعصبية والديانة كما يروي صاحب الأغاني عن ابن قتيبة. انظر أحمد أمين: فجر الإسلام، لجنة التأليف والترجمة والنشر، الطبعة السابعة، القاهرة 1955، ص302.

12 - ابن المرتضى: باب ذكر المعتزلة من كتاب "المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل" تصحيح توما أرنولد. الدكن، الهند 1902. طبعة دار صادر، بيروت بدون تاريخ، ص6.

13 - Ortega y Gasset: El hombre y la gente, Alianza editorial, Madrid, 1981.

14 - انظر الترجمة العربية للتأمل الثاني من تأملات "ديكارت" التي قام بها كمال الحاج، منشورات عويدات، الطبعة الثانية، بيروت 1977، ص69-83.

15 - هذا ما قرره "أورتيغا إي غاسيت" بصدد الأطروحة المثالية في دروسه حول "الميتافيزيقا" وانظر:

Ortega y Gasset: Lecciones de metafisica. A.Editorial, Madrid, 1981, p.135-142.

16 - اطلع على مناظرة أبي سعيد السيرافي لمتى بن يونس لدى أبي حيان التوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة" تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، المكتبة العصرية، بدون تاريخ بيروت، الجزء الأول، ص107-127.

17 - ابن الجوزي البغدادي: تلبيس إبليس، دار الفكر، بيروت 1994.

18 - ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، الجزء الأول، دار الفكر، بيروت 1992، ص310-311.

19 - التوحيدي: إمتاع، الجزء الثالث، ص131.

20 - Paul Riceur: Philosophie de la volonté.T2 Aubier, Paris 1949.

21 - Unamuno: La agonia del cristianismo, A.Editorial, Madrid 1981, p.9.

22 - التوحيدي: إمتاع، الجزء الثالث، ص109.

23 - حسن حنفي: من العقيدة إلى الثورة، دار التنوير، الطبعة الأولى، بيروت 1988، ص30.

24 - انظر للإمام الشاطبي: الاعتصام، الجزء الثاني، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ، ص203.

25 - انظر مناقشة الإمام الشاطبي لحديث الفرقة الناجية في الباب التاسع من الجزء الثاني، ص179 وكذلك، ص270.

26 - يشير الإمام الشاطبي إلى أن تعديدها تكلف منه وليس مطابقة للواقع، مصدر سابق، الجزء الثاني، ص220.

27 - الشاطبي: الاعتصام، الجزء الثاني، ص182.

28 - الشاطبي: الاعتصام، الجزء الثاني، ص168.

29 - التوحيدي: إمتاع، الجزء الثاني، ص147

30 - الشهرستاني: الملل والنحل، الجزء الأول، تحقيق سيد كيلاني، دار بيروت 1986، ص14.

31 - علي أومليل: في شرعية الاختلاف، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الطبعة الأولى، الرباط 1991، ص53-57.

32 - من المعلوم أن الزكاة من حق "المؤلفة قلوبهم" وتأليف القلوب مكسب نبوي بفضل إلاهي في كثير من الآيات القرآنية مثلما أنه كان صنيع بعض ولاة المسلمين؛ فقد أورد أحمد أمين في فجر الإسلام، نقلا عن الطبري "أن قيس بن سعد عامل مصر لعلي كتب إليه يقول: إن قبلي رجالا معتزلين قد سألوني أن أكف عنهم وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس فنرى ويرى رأيهم، فقد رأيت أن أكف عنهم وألا أتعجل حربهم، وأن أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله أن يقبل بقلوبهم ويفرقهم في ضلالتهم إن شاء الله". مصدر سابق، ص290.

33 - التوحيدي: إمتاع، الجزء الثاني، ص150.

34 - التوحيدي: إمتاع، الجزء الثالث، ص158.

35 - التوحيدي: إمتاع، الجزء الثاني، ص157-160.