ص1      الفهرس    المحور 

 

قضايا المسرح بالمغرب

حميد اتباتو

القضية الأولى: تأطير جدل المسرح بالمغرب

يتأطر الحديث عن المسرح المغربي ضمن استراتيجية تفعيل الجدل الثقافي عامة، وجدل المنسي الثقافي بشكل خاص. لأن الحديث الثقافي وحديث المنسي أساسا، يتم إقصاؤه وتغييبه لصالح الجدل السياسي في صيغه الرثة والهزيلة طبعا. استجابة لمنطق البؤس المميز للمشهد المغربي في تجلياته الفكرية والسياسية والفنية كذلك.

إن تفعيل النقاش بصدد المسرح بالمغرب، وبصدد قضاياه، يجب أن ينطلق أولا من وعي غايات هذه المبادرة. كما يجب أن يتأسس على تأطير أولي لوظيفة المسرح ولوظيفة حديث المسرح التي يجب أن تكثف في رأينا "إمكانية أن نقول ما لا يتفق والشفرة الثقافية، أو المنطق الاجتماعي(…) (أي) ما لا يخطر على البال منطقيا وأخلاقيا. وما يبدو فاضحا اجتماعيا"(1) بتعبير آن أوبيرسفيلد. لأن هذا وحده الذي بإمكانه أن يحافظ للمسرح على حيويته وعلى فاعليته كفرجة ومعرفة لها سننها وإرساليتها وجمهورها الذي يراهن عليها بقوة من أجل إنعاش ذاكرته الفكرية والجمالية ومن أجل الالتفاتة إلى قارة الثقافة المطمورة التي تتأسس عليها هوية الإنسان المغربي.

لقد اشتغل المسرح في المغرب كمنسي ثقافي، غيب لقرون طويلة لأسباب اختلف فيها رغم أن القراءة المتأنية لها تبين أنه يمكن اختزالها في رغبة مؤسسة التحريم، المهيمنة في بلادنا، في إلغاء التشويش الثقافي والاجتماعي والإيديولوجي الذي كان بإمكان المسرح أن ينقله إلى البلاد العربية عامة، تزكى ذلك من خلال بروز الإقصاء الواضح للمسرح في الاشتغال على ترجمة معارف اليونان والغرب عامة لزمن طويل، كما تزكى ذلك أيضا من خلال ظهور وسيط إيديولوجي(2) في امتداد وجود مؤسسة التحريم، عمل بسخاء وحماس لأجل إقبار عملية استنبات الفن المسرحي في المغرب وفي البلاد العربية عامة.

كما اشتغل المسرح أيضا باعتباره كشافا للأقنعة ومسقطا لها، يفضع الكذب والنفاق والنذالة. ويهز أسس البرنامج الثقافي للمؤسسة السائدة التي تلجأ للتمسرح كخاصية مميزة للفن المسرحي لاستغلالها في مجالات السياسة والاجتماع لتثبيت "اللعب" والزيف والخداع والاحتيال كخاصيات تخدم مشروع إعادة إنتاج السلطة السياسية للمؤسسة الرسمية(3)، وللتأكد من ذلك يمكن التأمل في واقع المشهد السياسي المغربي.

إن اشتغال المسرح كفن مهمش ومنسي ثقافي يجعل هذا الأخير يساهم في إنتاج لغة جديدة وأفكار جديدة ومنتعشة بإمكانها أن تحول في وقت وجيز أنماط التفكير والإحساس لدى جمهور المسرح العريض، كما سيحافظ للمسرح على الخطورة كميزة أساسية يجب أن تلازمه، وسيدعم بشكل أساسي مسألة التمكن من شعرية المسرح لخدمة تحرر الناس وتطويع الفن المسرحي لقول الرأي الآخر المختلف والمنسي والمقصي كذلك.

إن تفعيل نقاش المسرح في رأينا هو تفعيل لمجموعة من القضايا المرتبطة بالمسرح والتي تشكل أساس الممارسة المسرحية بالمغرب، وأساس أي مشروع للاستنبات الفعلي للفن المسرحي عندنا، وهو أيضا مناسبة لرصد ممكن ومحتمل هذا المسرح.

من جانبنا سنحاول الوقوف على بعض القضايا كذريعة لطرح سؤال المسرح المغربي، وأيضا للمساهمة في اقتراح أرضية أخرى نجتمع على أساسها بمتلقي مفترض نستهدفه دائما لأجل إشراكه في حرقة الثقافة وفي لوعة السؤال.

القضية الثانية: استنبات المسرح بالمغرب.

شكلت مسالة استنبات المسرح المغربي قضية أساسية منذ الظهور الأول للمسرح على أرض المغرب، ولقد عانى الرواد بشكل فعلي لأجل القيام بمهمة الاستنبات الأولي، خاصة حين تم اعتبار الممارسة المسرحية وسيلة لتجميع الناس وشحنهم للمساهمة في عملية التحرير. وقد أفضى هذا الوضع إلى بروز رواد مسرحيين أثروا الممارسة المسرحية بالمغرب، كما فعلوا وظيفة المسرح لأجل خدمة الغايات التحررية، ويتعلق الأمر بالمهدي المنيعي وعبد الواحد الشاوي ومحمد القري الذي يعتبر بحق شهيد المسرح المغربي وشهيد عملية استنبات المسرح بأرض المغرب. وقد استمر مشروع الاستنبات مع مجموعة من الرواد الذين أدركوا أهمية المسرح وقيمته في تفعيل حركية المجال الإبداعي والثقافي عامة، حركية تساعد على "ابتكار أدوات جديدة وأكثر مرونة، وتمكن أيضا من التواجد بالقرب من أولئك الذين يسعى مناصرو الاختلاف إلى ربط مصيرهم بهم"(5). وفي هذا الإطار جاءت تجربة المسرح العمالي التي تم التأكيد من خلالها على ضرورة انخراط المسرح في الهم اليومي للإنسان المغربي، كما تم طرح مجموعة من الصيغ لأجل تفعيل قضية المسرح الجوال، ولأجل تحقيق تواصل فاعل مع الجمهور المغربي. لقد استمر مشروع استنبات المسرح المغربي من خلال حركية المسرح الهاوي التي أنتجت مجموعة من المساهمات، والأوراق والتوجهات بصدد تأسيس صيغة مسرحية مغربية، وقد انطلق الجميع من مجموعة من الأسئلة التي كان الغرض من صياغة الإجابة عنها هو البحث عن كيفية بلورة ارضية فكرية وجمالية يمكن اعتمادها أساسا في مشروع المسرح المغربي. ومن الأسئلة الفاعلة التي انطلقت منها الاتجاهات المسرحية بالمغرب نذكر:

ـ كيف يمكن للمسرح أن يطرح علاقته بالمجتمع المغربي؟

ـ كيف يمكن للمسرح أن يتمثل الهوية المغربية مسرحيا؟

ـ كيف يمكن للمسرح أن يتموقع من إشكالات الذات والآخر والأزمة والتبعية والمؤسسة والهامش؟

ـ كيف يمكن للمسرح بالمغرب أن يطرح موقفه الإنساني والقومي والوطني؟

ـ كيف يمكن للمسرح بالمغرب أن يصوغ قضاياه الفكرية والجمالية؟

ـ كيف يمكن للمسرح بالمغرب أن يتعامل مع سؤال المرجعية؟

إن حرقة السؤال هاته هي التي فعلت لدى مجموعة من رواد المسرح بالمغرب مسالة البحث عن صيغة تأسيسية تجيب عن القضايا المبدئية والجمالية والفكرية للممارسة المسرحية بالمغرب. وقد أثمر كل هذا اتجاهات وبيانات ووجهات نظر عديدة سميت، وحددت لدى أصحابها تبعا لتماهي أو قطيعة أو كولاج مع مرجعيات محلية وغربية. فكان أن تحملت الاحتفالية والمسرح الفقير، والمسرح السياسي، والمسرح الثالث، ومسرح النفي والشهادة، ومسرح المرحلة والمسرح التجريبي، ومسرح الناس، والمسرح الفردي، وغيرها من الأسماء مهمة الاستمرار في عملية استنبات الفن المسرحي بأرض المغرب، لكن بشكل يركز أساسا على استنبات آراء ووجهة نظر هذا الاتجاه أو ذاك، وسيكثف كل هذا مسألة نشر الثقافة المسرحية، كما سيفضي إلى إحداث تراكم في التجارب والتنظيرات في فترة السبعينيات، وبداية الثمانينيات مما سيكثف من الإصدارات التي ستغني المكتبة المسرحية المغربية خاصة في فترة التسعينيات وسيساهم كل هذا في تحقيق رواج مسرحي ستقف على بعض مفارقاته في النقطة التالية:

القضية الثالثة: الرواج المسرحي في التسعينيات

يندرج تأسيس "مخزن المسرح" بكلية الآداب-سايس(6) أو كل ما يبرمجه من أنشطة ولقاءات ضمن تفعيل "الصحوة" التي تبشر بها "حركية" المجال المسرحي على العديد من المستويات في مثل:

أ - النشر: لقد ألقى مجال النشر بالعديد من عناوين الكتب النقدية والتنظيرية والإبداعية في السوق، في السنوات الأخيرة، من ذلك كتابات الدكتور "حسن المنيعي" (ثلاثة كتب) وكتابات "محمد الكغاط" (ثلاثة كتب) وكتابات عبد الرحمان بن زيدان (ثلاثة كتب) وكتابات حسن يوسفي (كتابين) وكتابات مصطفى الرمضاني (ثلاثة كتب) وكتابات عبد الكريم برشيد (ثلاثة كتب) بالإضافة إلى إصدارات أخرى لكل من محمد أديب السلاوي وحسن بحراوي ومحمد بهجاجي ومحمد أنقار ومحمد بلخيري وخالد أمين ومجموعة البحث الدرامي وحسين المريني وعبد الواحد عوزري، هذا مع العودة القوية لإصدارات رواد الحركة المسرحية بالمغرب ولكتاب المسرح ويتعلق الأمر أساسا بإصدارات الطيب الصديقي (أربع مسرحيات) وعبد القادر البدوي وأحمد الطيب العلج، وعبد الله شقرون والمسكيني الصغير وعبد الحق الزروالي والزبير بن بوشتى ويوسف فاضل ومحمد شكري وغيرهم من الكتاب الذين عملوا على إصدار بعض المسرحيات، وقد تمت تزكية كل هذا بإشراف بعض الفاعلين المسرحيين والثقافيين (خاصة الدكتور حسن المنيعي ومحمد اسليم) على الالتفات لذاكرة الإبداع المسرحي المغربي وتجلى ذلك من خلال العمل على إصدار أعمال الراحل محمد تيمد، وقد أغنى كل هذا المكتبة المسرحية المغربية، مما سيسهل مهمة البحث والكتابة في موضوع المسرح بالمغرب.

إلا أن الحديث عن انتعاش مجال النشر والإصدار المسرحيين بشكل حقيقي لا يمكنه أن يتم في غياب مجموعة من الإنجازات من أهمها:

ـ ضرورة الاشتغال على إصدار الأوراق والوثائق والكتابات التي تشكل ذاكرة المسرح المغربي.

ـ ضرورة توفير الإمكانيات المادية لنشر المجهودات الأكاديمية التي تجثم في مكتبات الجامعات المغربية في شكل بحوث ورسائل وأطروحات.

ـ التدخل الواسع للدولة لتحمل المسؤولية المادية في إصدار كل ما يتعلق بالمسرح المغربي من كتابات إبداعية وتنظيرية.

ـ تفعيل الاهتمام بالثقافة المسرحية من خلال إدماج مادة المسرح في كافة المستويات التعليمية، مع تشجيع كل الصيغ التي تهدف إلى رفع الاهتمام بالفرجة والثقافة المسرحيتين لدى الجمهور المغربي.

ب - المسرح الجامعي:

لقد عاد المسرح الجامعي بعد أن تم إقبار الصيغة الستينية كما تجلت عند روادها الأوائل (خاصة عند فريد بنبارك) وقد انتعشت محاولات تفعيل الممارسة المسرحية في فضاء الجامعة المغربية بعد أن انخرطت العديد من المؤسسات الجامعية في بلورة ملامح تجربة مسرحية جامعة من محطاتها الأساسية:

ـ مهرجان جامعة مكناس.

ـ مهرجان كلية الآداب بنمسيك-الدار البيضاء.

ـ مهرجان كلية الآداب بأكادير.

لقد استطاعت تجربة المسرح الجامعي بالدار البيضاء أن تأخذ بعدا آخر بانفتاحها على تجارب دولية مهمة وبتحقيقها لاستمرارية تجربة المهرجان.

إلا أن ما يمكن تسجيله بصدد طبيعة هذا المسرح وبصدد الوهم الذي يزكيه فيما يخص تحقيق الرواج المسرحي هو أننا حين نقول "مسرح جامعي" فنحن نحدد طبيعة وهوية لهذا المسرح ليبقى المسرح الجامعي، على مستوى الانخراط فقط، شيئا آخر يجب تحديده في اختلافه مع:

ـ المسرح الهاوي

ـ المسرح الاحترافي

ـ المسرح التجاري.

بمعنى أن على هذا المسرح أن يحقق اختلافه إلى هذا الحد أو ذاك عن باقي الأنواع المسرحية، ليأخذ طابعا متميزا على جميع مستويات العملية المسرحية، خاصة أن هذا المسرح ينظم من طرف المؤسسة الجامعية ويؤطر من داخل هذه المؤسسة نفسها وله جمهور جامعي كذلك.

إن تميز هذا المسرح على المستوى الإبداعي ضرورة ملحة بما يعنيه ذلك من بعث وتجريب وتطلع واهتمام يجب تأسيسه من داخل المشروع الجامعي الأكاديمي وليس انطلاقا من استدراج المؤطرين والفاعلين في المسرح الهاوي المغربي وبشكل يفجر البعد النخبوي لهذا المسرح ويفضح المؤسسة من داخلها باعتبارها "تخلق أدوات رمزية عديدة تختفي وراءها(…) (و)تقدمها كأدوات معرفة أو أدوات تواصل وليس أبدا كأدوات سيادة تخضع العالم لبنيات تؤدي وظيفتها السياسية من حيث هي أدوات لغرض السيادة وإعطائها صفة المشروعية في هيمنة طبقة على أخرى"(7).

لهذا فالمسرح الجامعي بالصيغة الحالية يزكي العديد من المغالطات بما في ذلك مسألة مساهمته في خلق رواج مسرحي.

ج - حركية المسرح التجاري:

لقد ساعدت عروض المسرح التجاري في تضخيم صورة الرواج المسرحي بالمغرب، تزكى ذلك بعودة بعض الاحترافيين كالطيب الصديقي بالإضافة إلى محافظة بعض الفرق على استمراريتها وبتطعيمها بالانفتاح على فاعلين جدد خاصة بالنسبة لمسرح اليوم والمسرح الفردي، كما تزكى هذا الرواج التجاري أيضا ببروز مجموعة من الفرق المسرحية الجديدة خاصة بعد أن اضطرت الأطر المتخرجة من المعهد إلى تجريب طاقاتها في الميدان وبادرت إلى تفعيل المعرفة النظرية في مجال الممارسة سواء إلى جانب بعض الفرق التجارية أو الهاوية أو بتأسيس فرق جديدة أخرى.

إنه رواج مسرحي يبشر في سطحيته بكون المسرح قد استقر كنبتة متجذرة في التربة المغربية، إلا أن الوقوف المتأني -من خلال قراءة معمقة- على الرواج المسرحي وعلى قضية المسرح بالمغرب تؤكد أننا لازلنا في بداية المشوار. ومن الملامح البارزة لذلك، كون العديد من القرى والبلدات لم تشاهد أو تسمع بالمسرح، مما يبطل الحديث ليس عن الرواج المسرحي فقط ولكن عن أي "فذلكة مسرحية"، مما يجعل الهم الأول ينحصر أولا في جعل الناس وتقيم العلاقة الأولية مع هذا الفن الذي هو موجه إليها أولا وأخيرا"(8).

القضية الرابعة: الانتساب الثقافي واحتمالات المسرح بالمغرب

إن الحديث عن مسألة الانتساب الثقافي تتأسس أولا على الاعتراف بأن ما يروج عن المسرح المغربي من أخبار ومتابعات وكتابات ومهرجانات وعروض ولقاءات وتأسيس للجمعيات والمحترفات، لا يعني في شيء كون المسرح قد تم استنباته فعلا على أرض المغرب، أو أنه قد تم الإقرار به وبمشروعيته من طرف المؤسسة الثقافية السائدة. فما يمكن التأكيد عليه بصدد هذا "الرواج" هو كون بعض رجالات المسرح فقط هم الذين يسعون إلى تثبيت الثقافة المسرحية والفرجة المسرحية في صيغة مخالفة لمنطق مركزية القرار الثقافي ولمنطق مؤسسة التحريم. وللتوضيع أكثر نقول إن مسألة الاستنبات المسرحي ومسألة انتسابه الثقافي ترتبطان بشكل جدلي، حيث لا يمكن تصور حديث عن الانتساب الثقافي للممارسة المسرحية في غياب استنبات فعلي للمسرح على أرض المغرب، والعكس صحيح. لهذا نؤكد أن مسألة تحقيق انتساب فاعل للممارسة المسرحية بالمغرب تبقى مرهونة بتحقيق استنباته، هذا الذي يجب أن يبدأ أولا بتقصي خطاب التحريم ومركزية القرار الثقافي الذي يتناقض طموحة مع طموح مشروع المسرح المغربي. وقد أدركت مؤسسة التحريم أن استنبات المسرح بشكل مخالف لمنطقها يفجر أسسها ويحقق للمسرح انتسابه المختلف والهامشي مما جعلها تستدعي منطق التحريم في عودة متقطعة للفصل فيها لا يخدم البرنامج الثقافي والإبداعي الرسمي، ولردم كل مشروع مسرحي واع يسعى إلى زرع الرفض والتمرد في الصيغة التأسيسية لمسرحنا، ومن أمثلة ذلك نذكر:

ـ تهميش مسرح الهواة وردم مشروعه الثقافي والجمالي بالوصاية عليه وبعدم دعه وتشجيعه.

ـ تحريض بعض الجمعيات للمنع والتوقف مع التضييق على بعض الأعمال والعروض كعر ضي "المجاذيب" و"الكثيرة".

ـ عدم الاهتمام بالحالة المادية والمعنوية لرواد المسرح المغربي كحوري الحسين ومحمد تيمد وغيرهم.

ـ عدم الالتفات لذاكرة الإبداع المسرحي المغربي. حيث لم تعمل الجهات المسؤولية على تمويل نشر وإصدار كتابات العديد من الرواد كالقري والمنيعي وتيمد وحوري، هذا بالإضافة إلى عدم تحمل مسؤولية التوثيق لعروض مسرح الهواة ولعروض الفاعلين الحقيقيين في مجال الممارسة المسرحية بالمغرب من مثل محمد الكغاط ويحيى بودلال وسعد الله عبد المجيد وعبد القادر اعبابو وبوسرحان الزيتوني وغيرهم.

ـ محاولة ردم المشروع التثقيفي الفاعل للدرس المسرحي كما تجسد عند رائده الدكتور حسن المنيعي وذلك من خلال إلغاء تخصص المسرح في الدراسات العليا بكلية الآداب-فاس. هذا بالإضافة إلى تعميم الجهل لدى الإنسان المغربي سواء بالمحافظة على نسبة الأمية تابثة بين الناس أو بإفراغ البرامج التعليمية من أي هم تثقيفي، مما يجعل حالة عدم الاهتمام الثقافي والفني منتشرة بشكل مخيف بين فئة الممدرسين وبين الحاصلين على الشواهد وبين فئة رجال التعليم، وهذا كله لا يخدم قضية استنبات الممارسة الفنية الجدية، خاصة استنبات الفن المسرحي. بالإضافة إلى كل هذا، فإن مسألة الانتساب الثقافي للمسرح، يجب أن تنطلق أولا من صياغة أسئلة فاعلة بصدد واقع المسرح المغربي وبصدد الممارسة الثقافية عامة بأرض المغرب، كما يجب أن تتأسس على نقض البؤس الثقافي المميز للمشهد المغربي ولمجال الممارسة المسرحية بشكل خاص. ومهمة نقض البؤس الثقافي هاته لا تتأسس بدورها إلا انطلاقا مما يسميه بيير بورديو Pierre Bourdieu "برفض التسوية مع المؤسسات، ابتداء بالمؤسسات الثقافية"(9) وذلك لأن صياغة الجواب الفاعل بصدد الوضع المسرحي وبصدد الوضع الثقافي عامة بالمغرب يتطلب تجاوز الكثير من القيود المؤسسية"(10). هذا في الوقت الذي تقدم فيه المؤسسة إغراء باذخا تلببية لحاجتها في تونير معرفة "قادرة على تقديم التبرير العقلي بالمعنى المزدوج، للسيطرة، أي قادر على تدعيم الآليات التي تؤمنها والتي تضفي عليها الشرعية في آن معا"(11).

خلاصة:

إن الهروب من مجابهة قضايا المسرح بالمغرب الحقيقية هو هروب من المساهمة في استنبات فعلي للفن المسرحي بأرض المغرب، وهو إقرار بوجود شبح وظل للمسرح يتم التمويه عليه برواج مسرحي مفتعل تزكيه بهرجة المسرح التجاري ونخبوية وعزلة المسرح الجامعي ومهرجانات مسرح الهواة التي تم إفراغها من كل محتوى.

إن النقاش الذي نريده بصدد المسرح بالمغرب وبصدد قضاياه يجب أن يأخذ طابع مجابهة الحضور المؤسساتي دعما منا لاستنبات فعلي للمسرح المغربي ودعما منا لتزكية انتساب هذا المسرح بتأسيس الهامش والاختلاف كهوية للمسرح المغربي وللممارسة الثقافية والإبداعية والفنية المغربي عامة.

 

هوامش:

1 - آن أوبر سفيلد، قراءة المسرح، ترجمة مي تلمساني، وزارة الثقافة، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، القاهرة، ص56.

2 - نمثل لهذا الوسيط بحالة سعيد الغبرا الذي تفانى لأجل إخماد صوت القباني المسرحي ونفس الشيء للفقيه المغربي أحمد بن الصديق الذي تصدى لعملية استنبات المسرح في المغرب من خلال كتابه. إقامة الدليل على حرمة التمثيل.

3 - لأجل التوسع في مسألة التمسرح السياسي يرجع إلى:

George Balandier, Pouvoir sur scène.

4 - Mertin Eslin, Théâtre de l’Absurde -Bicchet/Chartel, Paris 1977, p.12.

5 - Emile Copferman, Vers un théâtre différent, Mospero, Paris 1976, p.9

6 - قدمت هذه الورقة في إحدى أنشطة محترف المسرح بكلية الآداب سايس-فاس.

7 - بيير بورديو، الرمز والسلطة، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، المغرب، ط.ج1990، ص95.

8 - يوسف فاضل، حوار معه، أحمد فرحات، أصوات ثقافية، الدار العالمية للنشر-بيروت 1984، ص137.

9 - بيير بورديو، حوار معه، مجلة القاهرة، عدد 173/174/175، أبريل/مايو/يونيو 1987، ص227.

10 - نفسه، ص118.

11 - بيير بورديو، أسئلة علم الاجتماع، ترجمة إبراهيم فتحي، دار العالم الثالث 1995، ص34.