ص1      الفهرس    

 

   ندوة "الإسلام والغرب"

مراكش 25 - 27 أبريل 1997

                                    ك.ع

عقدت بمدينة مراكش أيام 25-27 أبريل 1997 ندوة دولية في موضوع "الإسلام والغرب" وذلك بتعاون بين المجلس القومي للثقافة العربية ومعهد شمال جنوب للحوار الثقافي، وجامعة القاضي عياض. شارك فيها مجموعة من الباحثين من أوروبا والعالم العربــي والإسـلامي، وتــابع أعمالها التــي جــرت بجــامعة القــاضي عــياض، جــمهور من المهتمين.

قدمت في الندوة اثنان وعشرون ورقة، وتتابعت أعمالها،   بناء على مخطط ورقة العمل التي أعدتها الجهات المنظمة للندوة، والتي تضمنت أربعة محاور كبرى، محور المفاهيم، وكانت الغاية منه تتحدد في التفكير في الدلالات المتعددة،  المركبة والمعقدة التي تراكمت منذ بداية استعمال المفهومين إسلام / غرب، بصورة زوجية متجاورة ومتقابلة. ثم محور التاريخ، قصد رسم الخطوط العريضة لصيرورة لم تستقر على نمط محدد من العلاقة، بل تمت فيها مواجهات وخلافات وحروب، وأشكال من التقارب والتباعد، إضافة إلى توضيح جوانب من خلفيات الأوضاع الراهنة، حيث يساهم الماضي كما نعلم، في توضيح مظاهر متعددة مما يجري اليوم، وحيث يمكن أن تساهم قراءة جديدة في تاريخ تطور العلاقة بين الإسلام والغرب، في توضيح كثير من الالتباسات الحاصلة في الصور التي يرسمها اليوم كل طرف للطرف الآخر.

أما المحور الثالث فقد شكل المحطة المتعلقة برصد مظاهر الصراع القائمة اليوم، وذلك من خلال التفكير في بعض الإشكاليات المحددة، قصد التمثيل العيني، على مستويات العلاقة الراهنة في أوجهها المتعددة، وفي علاقتها بنماذج معينة من حالات الصراع القائمة، وكذا في علاقتها بالخلفيات التي شكلت مرجعيتها، عبر تاريخ معقد من التعايش والتجافي.

ثم محور المستقبل، وهو المحور الرابع، الذي ارتأينا أن يشكل محطة أخيرة في جلسات الندوة، بهدف الإجابة على سؤال ما العمل؟ أي كيف يمكن تجاوز معضلات الراهن،  ورفع مظاهر وعلامات الصراع، من أجل علاقات إنسانية جديدة،   قادرة على التغلب على إرث معقد من العلاقة التي بنيت في التاريخ، وقادرة في الآن نفسه على الاستفادة من كل مظاهر التعصب، وسوء الفهم، لمصلحة إعادة بناء علاقات جديدة، مبنية على معايير محددة، يشارك في صياغتها الجميع لرسم الخطط المناسبة لتدشين عهد جديد.

ورغم الترابط والتداخل القائم بين محاور الندوة، بحكم طبيعة الموضوع، تعقده وتشابكه، فقد بلورت الأبحاث التي قدمت فيها، جهوداً سمحت بالتوقف على جملة من الخـــلاصــات،  التي سنــعمل على تقــديمــها في هــذا التقـــرير العــام، إضافــة إلى عـــرض أبرز التوصيات والمقترحات التي صدرت عن المشاركين في الندوة، بهدف تطوير أعمالها ونتائجها.

ففي المحور المتعلق بالمفاهيم، وانطلاقا من الالتباس الحاصل في طبيعة الزوج المفهومي إسلام / غرب، حاولت العروض تفكيك بنية كل مفهوم على حدة، كما حاولت تعقل مستويات العلاقة القائمة بينهما.

وقد تم ذلك، من خلال استعراض نماذج من التصورات التي يحمل كل طرف عن الطرف الآخر، وبحكم الطبيعة المعرفية للمحور الأول، بلورت الأبحاث حفريات في إعادة ترتيب محتوى كل مفهوم، كاشفة عن الطبقات المتعددة التي راكمتها حقب من التعايش والصراع بين عالم الإسلام وعالم الحضارة الغربية.

ساهمت عروض هذا المحور أيضا، في التحفظ على التسمية إسلام / غرب، حيث تشيرالمرجعية المباشرة لمنطوق المفهومين، أي لتسميتهما، إلى دين وجغرافية. وتمت صياغة بدائل للتسمية، بهدف التدقيق في ضبط المفاهيم، وجعلها تشير بالذات إلى معطيات معينة، لا إلى مجال عام، أو إشكال سياسي أو أيديولوجي.

اعتنت عروض أخرى في هذا المحور، بمسألة المفهوم / الصورة، حيث تُركب الصُّوَرُ وَيَتِمُّ إنتاجها خدمة لأغراض معينة، كل طرف يتخيل الطرف الآخر، وتتداخل في عملية التخيل هواجس وحسابات، بعضها يشير إلى وقائع بعينها، وبعضها متوهم ويروم بلوغ أهداف محددة.

لم يكن البحث الحفري في المفاهيم، المعتمد على نصوص ووقائع رمزية، ومعطيات تاريخية، يتم في إطار من النظر الخالص، بل رافقته في الندوة، تحليلات ذات طابع تاريخي، تمثلت في الأوراق التي قدمت في المحور التاريخي، وهو الأمر الذي أضاء التسميات المفاهيم، وكشف مراحل تشكلها عبر التاريخ.

ذلك أن العلاقة بين الفضاء التاريخي الإسلامي، في علاقته بالفضاء التاريخي لأوروبا الغربية، لم تنقطع، وإذا كانت العلاقات الاستعمارية التي واجهت فيها الحضارة الغربية شعوب العالم العربي الإسلامي، قد شكلت محطة فاصلة بعد محطات الصراع القديمة التي نشأت في العصور الوسطى، فإن مستويات العلاقة القائمة اليوم ،في صورها المختلفة، تعد نتيجة حتمية لمسلسل في الصراع، لم يكن دائماً سلبياً، فوراء العداءات والأحقاد التي تختزنها ذاكرة الطرفين، تشكلت صلات من الوصل الإيجابي، المُخْصِبِ للطرفين معاً، حيث لا يمكن التقليل من المساهمة الحضارية الإسلامية في تبلور المشروع الحضاري والثقافي الغربي المعاصر، كما لا يمكن التقليل من قيمة المساهمة الحضارية الغربية في تغيير كثير من بنيات الواقع في العالم الإسلامي. وهذه معطيات تتجاوز النوايا الفردية والإرادات الذاتية، لتعكس صيرورة تاريخ يحصل فيه التفاعل، رغم نكران المنكرين المكابرين والمغالين من الطرفين.

قدمت بحوث المحور التاريخي إذن، إضاءات متعددة للتفاعل الحاصل في ا لتاريخ، وكشفت الخلفيات المفسرة لكثير من بنيات المفهوم في الحاضر،   لكنها أبرزت في الوقت ذاته، إمكانية التجاوز، تجاوز ما يجري اليوم، بحكم موضوعية وإرادية ما جرى ويجري، شريطة أن تتوفر الإرادات السياسية البديلة  الهادفة إلى التقليص من مساحة التوتر والصراع، لمصلحة إرادة في التوافق التاريخي العادل.

إن البحث في إمكانيات التوافق، أي إمكانيات تجاوز سيادة الصراع والجفاء والتوتر الحاصلة اليوم،  كانت تتطلب القيام بأبحاث تحليلية ونقدية،  في مجال الإشكالات الراهنة، في العلاقة بين الإسلام والغرب، وفي هذا السياق شكل المحور الثالث من محاور الندوة، الإطار الذي قدمت فيه أبحاث في مجال رصد بعض الإشكاليات القائمة اليوم، الإشكاليات النظرية والإشكاليات السياسية والتاريخية،  إضافة إلى الإشكاليات الاقتصادية والاستراتيجية العامة.

الإسلام في الغرب،  الحركات الإسلامية المتشددة، الغرب العنصري، والمركزية الثقافية الغربية، الاختيارات السياسية الغربية، العولمة واقتصاد السوق، والفكر الشمولي، التحديات القائمة بين العالمين، الحرب الأيديولوجية في المستوى القانوني، بؤر الصراع الإقليمي ودلالاتها الرمزية في مجال الصراع، التوظيف الغربي للمعرفة والبحث، من أجل بلورة اختراقات جديدة، وبناء تصورات جديدة، لعالم لا يراعي قيم التعاون والتعايش والاعتراف المتبادل،  كلها إشكاليات وضعت أمام المنتدين سواء في أوراق المحاضرين، أو في مداخلات المشاركين، بهدف توضيحها وتحليل خلفياتها، وكشف مضمراتها، وذلك من أجل إضاءة إشكالية الندوة،  في بعدها الراهن،  ولم يكن هذا التحليل يتوخى مجرد المعالجة النظرية المعرفية الخالصة،  فقد تضمنت الأبحاث التي قدمت في هذا المحور، عناصر مهمة في تشخيص معضلات الحاضر. وكان الهدف من هذا المحور، يتمثل في إعداد معطيات يستند إليها المحور الرابع، المتعلق بمستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب، وهو الهدف المركزي الذي عقدت من أجله الندوة.

إن البحث في مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب، يجيب في العمق كما أشرنا آنفاً، على سؤال ما العمل؟ أي ما العمل الذي ينبغي القيام به، من أجل ردم الهوة القائمة اليوم، ورفع الاشتباكات الحاصلة، في أكثر من زاوية  من زوايا النظر والممارسة في الواقع الفعلي سياسياً وثقافياً واستراتيجياً، في المؤسسات الدولية، وفي منظمات المجتمع المدني هنا وهناك، وقد أشارت عروض الإشكالات الراهنة إلى جملة من الإشكالات القائمة،  وحاولت تحليلها وكشف جوانب من أبعادها.

تم التركيز في هذا المحور، على مبدأ الحوار، باعتباره القاعدة الأولى الأساسية لكل إرادة تتوخى تجاوز الراهن نحو مستقبل أفضل.

يتضمن مبدأ الحوار، الاعتراف المتبادل بالخصوصيات، وبالتعدد، فلا يقوم الحوار دون اعتراف متبادل، الاعتراف بحق الوجود، وحق الرأي، وحق الاختلاف، وحق التناقض وحق التعايش.

لكن كيف يقوم الحوار على انقاض تاريخ من العنف المتبادل؟ وحاضر ما فتئت الخلافات والصراعات تشكل ملمحه البارز وصفته المميزة.

إن إلحاح المشاركين في الندوة، على ضرورة الحوار، بل فضيلة الحوار كأسلوب حضاري للتعايش،  انطلاقا من قناعتهم بفضيلة الاختلاف، وقيمة التعدد والتنوع، شكلت القواسم المشتركة لكل المتدخلين، سواء الذين قدموا عروضاً في محور المستقبل، أو الدين اجتهدوا في محاور البحث الأخرى، وذلك رغم بعض مظاهر التشدد التي كانت تطفو على سطح بعض الأبحاث، لتعبر عن مخزون الذاكرة، وتعكس نتائج بعض مظاهر الصراع الجارية.

وقد شكل مطلب الحوار وضرورته، الخلفية الناظمة للندوة في مختلف ما قدمته من أوراق ومداخلات، وتوقفت عنده من خلاصات ونتائج.

وفي هذا السياق قدمت اقتراحات متعددة، في مجال بلورة ما يُمَكِّن من ترسيخ تقاليد الحوار،  من قبيل الندوة الدولية التي نختتم الآن أعمالها، بل إن اقتراحات أخرى قدمت لتعمل الجهات المنظمة للندوة، المجلس القومي للثقافة العربية، ومعهد شمال جنوب للحوار الثقافي، وجامعة القاضي عياض، على مزيد من عقد لقاءات مصغرة ، في موضوعات جزئية، بل في كل محور من محاور هذه الندوة، من أجل تعميق النقاش وإثرائه، وبلوغ ما يمكن من وضوح الرؤية، وبلوغ المقاصد والغايات.

وطالبت بعض التوصيات بدعم برنامج معهد شمال جنوب للحوار الثقافي، الذي يستهدف توسيع دائرة الحوار النقدي،  وتطوير آلياته، لتشمل موضوعات ومناطق متعددة.

- التفكير في إمكانية خلق آليات عمل مستمرة، لتشجيع الحوار بين الإسلام والغرب.

- تشجيع الحوار بين المؤسسات والهيئات والمثقفين، في القضايا الدينية لتشجيع التعارف والمثاقفة.

- تشجيع الحوار بين المنظمات الشعبية، غير الحكومية على مستوى الحضارتين.

عقد الندوات واللقاءات التالية:

- دائرة مستديرة حول الثقافة العربية بعيون غيرها.

- دائر مستديرة حول الإسهامات الثقافية العالمية من منظور نقدي.

- دائرة مستديرة حول دور الإسلام في الحضارة الغربية، قراءة جديدة.

كما تم اقتراح أن تكون ندوة العام القادم، إذا ما توفرت الإمكانيات، في موضوع الإسلام والغرب (حوار من أجل التعارف].

وأخيراً، لا يفوتنا هنا، أن نشير إلى أهمية النقاش الذي صاحب أوراق الندوة، فقد ساهم في توضيح كثير من الإشكاليات، كما عمل على إبراز أوجه أخرى للقضايا المعالجة، وهو ما يعني أن الحصيلة الأولية للندوة، تشير إلى مساهمة نتصور أنها قدمت جهداً هاماً في مجال تقليص درجات الالتباس الحاصل في الموضوع، ولاشك أن نشرها، وهو الأمر الذي سنعمل على تحقيقه في أقرب الآجال، سيساهم في تقديم مادة متنوعة، مساعدة على الفهم والحوار، ومقدمة في الوقت نفسه، لنمط من أنماط التصورات المثقلة، بأسئلة محددة، وهواجس معينة، في باب فهم الصراعات السائدة اليوم بين عالم الإسلام والعالم الغربي.